كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

قرأ هذا الحرفَ عامةُ القراءِ ما عدا ابنَ عامرٍ قارئَ أهلِ الشامِ: {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا} بلا واوٍ، وقرأه ابنُ عامرٍ وحدَه: {وقال الملأ الذين اسْتَكْبَرُوا} بالواو. وفي المصاحفِ الشاميةِ هذه الواوُ. وهما قراءتانِ سبعيتانِ (¬1)، إحداهما بالواوِ والثانيةُ بلا واوٍ، وكونُ بعضِ الحروفِ الصحيحةِ يزيدُ فيه حرفٌ أو كلمةٌ وينقصُ ذلك الحرفُ أو الكلمةُ في قراءةٍ أخرى لأَجْلِ هذا السببِ بعينه كان عثمانُ بنُ عفانَ (رضي الله عنه وأرضاه) وَمَنْ معه من الصحابةِ في جَمْعَةِ المصحفِ الأخيرةِ التي جَمَعَهَا عثمانُ (رضي الله عنه) عَدَّدُوا نسخَ المصاحفِ العثمانيةِ ليمكن أن تكونَ نسخةٌ فيها هذه الواوُ ونسخةٌ عارية من هذه الواوِ، والجميعُ كأنه نسخةٌ واحدةٌ، إلا أنهم نَوَّعُوهَا وَعَدَّدُوهَا ليمكنَ أن تأتيَ جميعُ القراءاتِ مطابقةً لها.
{قَالَ الْمَلأُ} قَدَّمْنَا أن الملأَ أشرافُ الجماعةِ ورؤساؤهم الذكورُ الذين ليس فيهم إناثٌ.
{الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ} أي: تَكَبَّرُوا وَعَتَوْا ولم يؤمنوا استكبارًا عن الإيمانِ {مِنْ قَوْمِهِ} أي: مِنْ قومِ صالحٍ، وهم ثمودُ قالوا {لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا} وكان جُلُّ مَنْ آمَنَ بصالحٍ ... - قبلَ أن يؤمنَ جندعُ بنُ عمرٍو وَمَنْ آمَنَ معه - كان أغلبُهم ضعافًا؛ لأَنَّ اللهَ أجرى العادةَ بأن أكثرَ أتباعِ الأنبياءِ: الضعفاءُ، وأكثرَ مَنْ عادى الأنبياءَ وأكثرَ أهلِ النارِ: أهلُ الترفِ في الدنيا والمكانةِ والمالِ والجاهِ. والسرُّ في ذلك: أن المساكينَ الضعافَ لا يُحَارِبُونَ عن رئاسةٍ، ولا يستنكفونَ أن يكونوا تَبَعًا، فإذا سَمِعُوا الحقَّ آمَنُوا به، أما الرؤساءُ فإنهم
¬_________
(¬1) انظر: السبعة لابن مجاهد ص284، إتحاف فضلاء البشر (2/ 54).

الصفحة 528