كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

لا يَرْضَوْنَ أن يكونوا تَبَعًا، وأن يكونوا مرؤوسين غيرَ رؤساءَ، فيجادلوا لتبقَى لهم مكانتُهم ورئاستُهم؛ لأنهم إن أطاعوا الرسلَ كانوا تَبَعًا تحتَ أوامرِ الرسلِ لاَ رئاسةَ لهم ولا سيادةَ؛ ولذا في قصةِ هرقلَ الثابتةِ في الصحيحِ لَمَّا سألَ أبا سفيانَ السؤالاتِ المعروفةَ - المشهورةَ الثابتةَ في الصحيحِ - عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ جُمْلَتِهَا أن قال له: أشرافُ الناسِ يتبعونَه أم ضعفاؤُهم؟ فقال أبو سفيانَ: بل ضعفاؤُهم، قال هرقلُ: أولئك أتباعُ الرسلِ (¬1). كما هو معروفٌ.
{قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا} أي: الرؤساءُ والقادةُ من قبيلةِ ثمودَ الذين تَكَبَّرُوا عن الإيمانِ وإجابةِ نَبِيِّ اللهِ صالحٍ {لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا} أي: للضعفاءِ المستضعفين. وقولُه: {لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ} بدلٌ مِنْ قولِه: {لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا} أي: المستضعفينَ، أعنِي خصوصَ المؤمنين من المستضعفين {أَتَعْلَمُونَ} أَتَتَيَقَّنُونَ وتجزمونَ بأن {صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ} وأنه غيرُ كاذبٍ على اللهِ؟ فأجابهم المستضعفونَ أحسنَ جوابٍ وأبلغَه، فلم يقولوا لهم: نَعَمْ نحنُ نجزمُ بأنه مُرْسَلٌ، ولكن جعلوا كونَه مُرْسَلاً أمرًا لا ينبغي أن يُشَكَّ فيه، ولا أن يكونَ النزاعُ ولا الخلافُ فيه، وقالوا: {إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ} إنا مؤمنونَ بالأمرِ الذي أُرْسِلَ به، الذي لا ينبغي أن يُشَكَّ ولا أن يُخْتَلَفَ في أنه حَقٌّ، ولهذه الحكمةِ عَدَلُوا عن أن يقولوا: نَعَمْ، فأجابهم الملأُ الكفارُ المتكبرونَ فقالوا: {إِنَّا بِالَّذِيَ آمَنْتُمْ بِهِ} من رسالةِ صالحٍ {كَافِرُونَ} جاحدونَ والعياذُ بالله، وهذا معنَى قولِه: {إِنَّا بِالَّذِيَ آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ}.
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (93) من سورة الأنعام.

الصفحة 529