كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

فَلَمَّا تَمَرَّدُوا وَطَغَوْا {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ} العربُ تقولُ: عَقَرَ البعيرَ إما قَطَعَ عرقوبَه. هذا أصلُ العقرِ، إذا قطعَ عرقوبَه. وكانت عادةُ العربِ إذا أرادوا أن يَنْحَرُوا الإبلَ ضربوا عراقيبَها بالسيوفِ حتى تسقطَ فينحروها، وصارَ العقرُ يُطلق على النحرِ، وعلى قطعِ العرقوبِ، وعلى كُلِّ جرحٍ في البعيرِ، حتى أنهم إذا جُرِحَ ظهرُه بدَبَرٍ ونحوِه تقولُ العربُ: عَقَرَهُ، وهو معنًى مشهورٌ في كلامِ العربِ (¬1)، ومنه قولُ امرئِ القيسِ في معلقتِه (¬2):
تَقُولُ وَقَدْ مَالَ الْغَبِيطُ بِنَا مَعًا ... عَقَرْتَ بَعِيرِي يَا امْرَأَ الْقَيْسِ فَانْزِلِ
تَعْنِي أنه أَثَّرَ بالدَّبَرِ في ظهرِه. فمعنَى (عقروها): قَتَلُوهَا. وقد بَيَّنَّا قصتَها فيما فَكَّرْنَا الآنَ أن تَيْنَكَ المرأتين الخبيثتين استنفرَا لها ذينك الرجلين وهما: قدار بن سالف، ومصدع، وأنهما استهويَا سبعةً من قومِهم فكانوا تسعةَ رهطٍ، وهم التسعةُ الرهطُ المذكورونَ في سورةِ النملِ، وأن مصدعًا وقدارًا كَمَنَا لها عندَ صدورِها من الماءِ في أصلِ صخراتٍ، فانتظمَ مصدعٌ عضلتَها بسهمِه، وعقرَها قُدارٌ بسيفِه فقطعَ عرقوبَها فسقطت وَرَغَتْ، ثم طَعَنَ في لُبَّتِهَا فنحرها. وهذا معنَى {فَعَقَرُوهَا} بِمُمَالأَةٍ منهم.
{فَعَقَرُوا النَّاقَةَ} هي ناقةُ اللهِ التي أَخْرَجَهَا آيةً لهم: {وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ} العتوُّ: التكبرُ والتمردُ، تمردوا وتكبروا عن قَبُولِ أَمْرِ رَبِّهِمْ، وعقروا الآيةَ التي أجاءهم اللهُ بها معجزةً لِنَبِيِّهِ، ثم قالوا في
¬_________
(¬1) انظر: المفردات (مادة: عقر) ص577، القرطبي (7/ 240)، الدر المصون (5/ 366).
(¬2) ديوان امرئ القيس ص113.

الصفحة 530