كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

الأصولِ: أن مِنْ صِيَغِ العمومِ إضافةُ المفردِ إذا كان اسمَ جنسٍ إلى معرفةٍ، فإنه يَعُمُّ، ونظيرُه في القرآنِ: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا} [إبراهيم: آية 34] أي: نِعَمَ اللَّهِ {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: آية 63] أي: أوامرَه {إِنَّ هَؤُلاَءِ ضَيْفِي} [الحجر: آية 68] أي: أَضْيَافِي، ونحو ذلك كثيرٌ معروفٌ في الأصولِ وفي العربيةِ (¬1).
ومعنَى: {جَاثِمِينَ} هو خبرُ أَصْبَحُوا، والجاثمونَ جمعُ تصحيحٍ للجاثمِ، والجاثمُ: المتصفُ بالجثومِ، وأصلُ الجثومِ: هو أن يكونَ الإنسانُ مُنْكَبًّا على وَجْهِهِ، رُكْبَتَاهُ في الأرضِ، ومكانُه يُسَمَّى (المجْثَم) فالذي يفعلُه ولدُ الظبيةِ إذا كان مُنْبَطِحًا مُنْكَبًّا على وجهه يسمى (جثومًا) ومكانُه يسمى (المجْثَم) على القياسِ (¬2)، ومنه قولُ زهيرِ بنِ أبي سلمى في معلقتِه (¬3):
بِهَا الْعِينُ وَالآرَامُ يَمْشِينَ خِلْفَةً ... وَأَطْلاَؤُهَا يَنْهَضْنَ مِنْ كُلِّ مَجْثَمِ
فمعنَى {جَاثِمِينَ} مُنْكَبِّينَ على وجوهِهم مَوْتَى، مفارقة أرواحِهم أبدانَهم، ليس منهم دَاعٍ ولا مجيبٌ، حَلَّتْ بهم نقمةُ اللهِ - جل وعلا - وعذابُه المستأصلُ المتصلُ بعذابِ الآخرةِ (والعياذُ بالله، وهذه النكالاتُ التي وَقَعَتْ في الأممِ يجبُ الاعتبارُ بها، وأن يخافَ الموجودونَ في الدنيا من عصيانِ اللهِ، ومبارزةِ رُسُلِهِ بالمعصيةِ
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (47) من سورة البقرة.
(¬2) انظر: تفسير ابن جرير (12/ 546)، القرطبي (7/ 242) عمدة الحفاظ (مادة: جثم) ص88.
(¬3) شرح القصائد المشهورات (1/ 100).
و (العِين): البقر. و (الآرام): الظباء. و (الأطلاء): أولادها. و (خِلْفَة): فوجًا بعد فوج.

الصفحة 533