كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

الحديثِ أنه أَذِنَ لبعضِهم في أن يُطْعِمُوا ذلك الحيسَ إبلَهم، ونهاهم عن أَكْلِهِ.
ومعلومٌ اختلافٌ العلماءِ (¬1): هَلْ يجوزُ الوضوءُ بمياهِ أَرْضِهِمْ؟ وهل يرفعُ الحدثَ؟ وهو تجوزُ الصلاةُ في دَيْرِهِمْ أو لا تجوزُ؟ وإن وقعت فهل هي باطلةٌ أو غيرُ باطلةٍ؟ خلافُ العلماء في هذا معروفٌ. ومما ينبغي أن يُتَنَبَّهَ له الآنَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن مياهِ أولئك القومِ؛ لأنها مياهُ أرضِ غضبٍ، وَبَيَّنَ أن الشربَ منها لا يجوزُ، وإذا كان الشربُ منها لا يجوزُ فالطهارةُ التي هي طاعةُ اللهِ يظهرُ أنها من بابِ أَوْلَى لا تجوزُ.
وصَرَّحَتِ الأحاديثُ المتفقُ عليها أنه لا يجوزُ لأحدٍ أن يدخلَ ديارَهم إلا بَاكِيًا، خَوْفًا أن ينزلَ به مثلُ ما نَزَلَ بهم (¬2). فأرضُهم أرضُ غضبٍ. وكذلك جاءَ عن عَلِيٍّ (رضي الله عنه) لَمَّا مَرَّ بأرضِ الخسفِ في بابل من أرضِ العراقِ أنه أَسْرَعَ وَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى جَاوَزَهَا (¬3).
¬_________
(¬1) انظر: المجموع (1/ 91).
(¬2) تقدم تخريجه في الصفحة الماضية.
(¬3) ورد ذلك عن علي (رضي الله عنهما) من غير وجه، فرواه أبو داود في الصلاة، باب في المواضع التي لا تجوز فيها الصلاة (486، 487)، (2/ 156 - 158)، والبيهقي (2/ 451) وفي آخره التصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم نهاه عن الصلاة فيها. وقد ضعفه ابن حزم في المحلى (4/ 82)، والحافظ في الفتح (1/ 530)، والخطابي في معالم السنن (1/ 167)، ونقل الصيني عن ابن القطان تضعيفه، وكذا ضعفه البيهقي في المعرفة وعبد الحق الإشبيلي. انظر: عون المعبود (2/ 158).
وجاء من وجه آخر عن علي (رضي الله عنه) موقوفًا كما عند ابن أبي شيبة (2/ 377)، والبيهقي (2/ 451)، والخطيب في تاريخه (8/ 274) من طرق عدة. وقال البخاري في صحيحه: «باب الصلاة في مواضع الخسف والعذاب، ويذكر أن عليًّا (رضي الله عنه) كَرِهَ الصلاةَ بخسف بابل». انظر البخاري مع الفتح (1/ 530).

الصفحة 537