كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

ومن ذلك يُعْلَمُ أنه لا تجوزُ السُّكْنَى في مَحَلِّ ديارِهم، ولا الزراعةُ ولا الغرسُ في محلِّ ديارهم، كُلُّ ذلك لا يجوزُ. لا يجوزُ الانتفاعُ بمياهِ أرضِهم، ولا الازدراعُ فيها، ولا الشربُ منها، ولا غَرْسُ شجرٍ بها، كُلُّ ذلك حرامٌ ممنوعٌ لا يجوزُ، كما دَلَّتْ عليه الأحاديثُ النبويةُ الصحيحةُ. فيجبُ على مَنْ بَسَطَ اللَّهُ يدَه إذا أرادَ بعضُ الجهلةِ أن يسكنَ في ديارِ قومِ صالحٍ وأن يشربَ من مياهِها ويزرعَ على مياهِها ويغرسَ عليه الأشجارَ أن يمنعَه من ذلك كُلِّهِ اقتداءً بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو خيرُ قدوةٍ، فقد مَنَعَ أصحابَه من أن يشربوا من مائِها، وَمَنَعَهُمْ أن يأكلوا عَجِينًا عُجِنَ بمائها، وأن يأكلوا حَيْسًا بُلَّ بمائِها، وهو صلى الله عليه وسلم خَيْرُ أُسوةٍ، وكل هذا ثابتٌ في الصحيحين عن ابنِ عمرَ وغيرِه رضي الله عنهم.
فنهيُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم عن الشربِ من آبارِ ثمودَ ومنعُه من أَكْلِ العجينِ الذي بُلَّ بمائها، وَمِنْ أَكْلِ الحيسِ الذي بُلَّ بمائها، وَتَلَثُّمُهُ صلى الله عليه وسلم وإسراعُه السيرَ ليجاوزَ واديَهم، وأمرُه أصحابَه أن لا يشربوا إلا من البئرِ التي كانت تشربُ منها الناقةُ يدلُّ على أن بلادَهم أرضُ غضبٍ، وأنها لا يجوزُ السُّكْنَى فيها، ولا يجوزُ دخولُ ديارِهم لأحدٍ إلا وهو يَبْكِي خوفًا من اللَّهِ أن يُنْزِلَ به مثلَ ما أنزل بهم. فالذي يدخلُ بلادَهم ليتفرجَ وينظرَ غيرَ باكٍ ففعلُه حرامٌ لا يجوزُ للأحاديثِ الصحيحةِ النبويةِ الثابتةِ عنه صلى الله عليه وسلم، ولا يجوزُ أن يُتْرَكَ أحدٌ يزرعُ في ديارِهم، ويشربَ من مائها، ويأكلَ من الحَبِّ المزروعِ

الصفحة 538