كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

تعالى: {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} [هود: آية 82] وجَعْلُ العالِي هو السافلَ هو معنَى القلبِ والأَفْكِ؛ لأن العربَ تقولُ: أَفَكَ الشيءَ يأفكه إذا قَلَبَهُ، ومنه سُمِّيَ أسوأُ الكذبِ (إِفْكًا) لأنه قلبٌ للحقيقةِ عن ظاهرِها الصحيحِ إلى شيءٍ آخَرَ بَاطِلٍ.
{إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ} [الأعراف: آية 80] {أَتَأْتُونَ} هنا همزةُ إنكارٍ، أَنْكَرَ نَبِيُّ اللهِ لوطٌ عليهم الفاحشةَ، وقد قَدَّمْنَا أن الفاحشةَ (¬1) في لغةِ العربِ أنها كُلُّ خصلةٍ متناهيةٍ في القبحِ تُسَمِّيهَا العربُ فاحشة، وكلُّ شيءٍ بالغٍ نهايتَه تُسَمِّيهِ العربُ فاحشًا، ومنه قولُ طرفةَ بنِ العبدِ في معلقتِه (¬2):
أَرَى الْمَوْتَ يَعْتَامُ الْكِرَامَ وَيَصْطَفِي ... عَقِيلَةَ مَالِ الْفَاحِشِ الْمُتَشَدِّدِ
فَسَمَّاهُ فاحشًا لَمَّا بَلَغَ نهايتَه في البخلِ. فالفاحشةُ: الخصلةُ المتناهيةُ في القبحِ والشناعةِ، وهذه الخصلةُ الخسيسةُ القبيحةُ هي فاحشةُ اللواطِ - قَبَّحَهَا اللَّهُ وقبحَ مرتكبَها - ولذا أَنْكَرَهَا نبيُّ اللهِ لوطٌ عليهم، وَبَيَّنَ أنه مُبْغِضٌ لها غايةَ البغضِ في قولِه: {إِنِّي لِعَمَلِكُم مِّنَ الْقَالِينَ} [الشعراء: آية 168] أَيْ: من الْمُبْغِضِينَ الكارهين أَشَدَّ البغضِ والكراهيةِ. {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ} أي: الخصلةَ الذميمةَ الخسيسةَ الدنيةَ البالغةَ غايةَ الدناءةِ والخبثِ والفحشِ والقباحةِ، وهي إتيانُ الرجالِ في أَدْبَارِهِمْ، وهي فاحشةُ اللواطِ - قَبَّحَهَا اللهُ وَقَبَّحَ مُرْتَكِبَهَا - فإنها فاحشةٌ خسيسةٌ قبيحةٌ لم يَسْبِقْ إليها أحدٌ قَوْمَ لُوطٍ، كما قال هنا: {مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ} الباءُ هذه تأتِي
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (151) من سورة الأنعام.
(¬2) السابق.

الصفحة 541