كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

سَهَّلُوا الهمزةَ الثانيةَ - وَهُمَا: أبو عمرٍو وابنُ كثيرٍ - ابنُ كثيرٍ منهم لم يُدْخِلِ الألفَ، وأبو عمرٍو أَدْخَلَ الألفَ، فَتَحَصَّلَ أن في قولِه: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ} ثلاثُ قراءاتٍ سبعياتٍ (¬1): قرأه نافعٌ وحفصٌ عن عاصمٍ: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ} بهمزةٍ واحدةٍ على الخبرِ لاَ على الاستفهامِ، وقرأه أبو عمرٍو وابنُ كثيرٍ: {أَينَّكُمْ} بتسهيلِ الهمزةِ الثانيةِ، إلا أن أَبَا عمرٍو زَادَ ألفَ الإدخالِ، وابنُ كثيرٍ لم يَزِدْهُ. وقرأها الباقونَ بتحقيقِ الهمزتين، ولم يُدْخِلْ أَلِفًا معَ تحقيقِ الهمزتين أحدٌ منهم إلا هشامٌ فِي روايتِه عن ابنِ عَامِرٍ. هذه القراءاتُ في الآيةِ.
أما على قراءةِ (¬2): {أئنكم لتأتونَ الرجال} [الأعراف: آية 81] فهو توبيخٌ بعدَ توبيخٍ، وتقريعٌ بعدَ تقريعٍ؛ لأن الاستفهامَ للإنكارِ، وهو يتضمنُ التوبيخَ والتقريعَ، فهو يكررُ لهم التوبيخَ والتقريعَ المرةَ بعدَ المرةِ، والإنكارَ بعدَ الإنكارِ؛ لأَنَّ فِعْلَهُمْ القبيحَ الشنيعَ يستحقُّ ذلك التوبيخَ والتقريعَ والإنكارَ.
أما على قراءةِ نافعٍ وحفصٍ عن عاصمٍ {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ} فبعضُ العلماءِ يقولُ: إنه خبرٌ لاَ استفهامَ فيه، والأظهرُ أنه فيه استفهامٌ إلا أن الاستفهامَ حُذِفَ لدلالةِ القراءةِ الثانيةِ عليه؛ لأَنَّ المقامَ أليقُ بتكريرِ التوبيخِ والتقريعِ من غيرِ ذلك، وهمزةُ الاستفهامِ إذا دَلَّ الدليلُ عليها جَازَ حَذْفُهَا، وهو قِيَاسِيٌّ عند الأخفشِ، وَسَمَاعِيٌّ عندَ غيرِه. وهو موجودٌ بكثرةٍ في كلامِ العربِ مع (أَمْ) وَدُونَ (أَمْ)، ومع
¬_________
(¬1) انظر: المبسوط لابن مهران ص210.
(¬2) في توجيه هذه القراءات انظر: حجة القراءات (287، 288).

الصفحة 543