كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

ذِكْرِ الجوابِ، ودونَ ذكرِ الجوابِ (¬1)، قال بعضُ العلماءِ منه في القرآنِ: {أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء: آية 34] قالوا: الأصلُ: أَفَهُمُ الْخَالِدُونَ. فَاكْتَفَى بالاستفهامِ الأولِ عن الثانِي، وزعم بعضُهم أن منه: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ} [الشعراء: آية 22]. قالوا: الأصلُ أَوَتِلْكَ نعمةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ؟ وزعم بعضُهم أن منه قولَه: {قَالَ هَذَا رَبِّي} [الأنعام: آية 76] أي: أهذا ربي؟ باستفهامِ الإنكارِ. والدلالةُ على حذفِ الهمزةِ هو توحيدُ إبراهيمَ وعدمُ شَكِّهِ في ربوبيةِ الكوكبِ. وأنشدَ سيبويه (رحمه الله) في كتابِه لِحَذْفِ همزةِ الاستفهامِ إذا دَلَّ المقامُ عليها قولَ الشاعرِ (¬2):
لَعَمْرُكَ مَا أَدْرِي وَإِنْ كُنْتُ دَارِيًا ... شُعَيْثُ بْنُ سُهَيْمٍ أَمْ شُعَيْثُ بْنُ مِنْقَرِ

وأنشد له سيبويه أيضًا في كتابِه قَوْلَ الأَخْطَلِ (¬3):
كَذَبَتْكَ عَيْنُكَ أَمْ رَأَيْتَ بِوَاسِطٍ ... غَلَسَ الظَّلاَمِ مِنَ الرَّبَابِ خَيَالاَ
فَبَيْتُ الأخطلِ هذا أَوْرَدَهُ سيبويه في كتابِه مُجَوِّزًا أن تكونَ همزةُ الاستفهامِ محذوفةً، وأن الأصلَ: أَكَذَبَتْكَ عَيْنُكَ؟ فَحُذِفَتْ همزةُ الاستفهامِ. وإن كان الشيخُ الخليلُ بنُ أحمدَ يخالفُ سيبويه في معنَى بيتِ الأخطلِ هذا ويقولُ: إنه خَبَرٌ (¬4)، وأن المرادَ به ما يسميه علماءُ البلاغةِ: الرجوعَ، وهو من البديعِ المعنويِّ عندَهم، وهو أن يَأْتِيَ الإنسانُ بأمرٍ ثم ينقضُ ذلك الأمرَ بعينِه ليدلَّ على أنه قاله أولاً،
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (76) من سورة الأنعام.
(¬2) السابق.
(¬3) السابق.
(¬4) السابق.

الصفحة 544