كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

يعنِي: أَقَذًى بِعَيْنَيْكَ؟ ومنه قولُ امرئِ القيسِ (¬1):
تَرُوحُ مِنَ الْحَيِّ أَمْ تَبْتَكِرْ ... وَمَاذَا عَلَيْكَ بِأَنْ تَنْتَظِرْ
يعني: أَتَرُوحُ؟ وهو كثيرٌ في كلامِ العربِ معروفٌ، وَيَكْفِينَا منه ما ذَكَرْنَا على سبيلِ المثالِ. وعلى هذا فقراءةُ نافعٍ وحفصٍ حُذِفَتْ فيها الهمزةُ لدلالةِ المقامِ عليها، فهي لاَ تَخْلُو أيضًا من إنكارٍ وتوبيخٍ كالتي قَبْلَهَا، وهذا أليقُ بالمقامِ، خِلاَفًا لمن قال: لم تُقَدَّرْ هناك همزةُ استفهامٍ، وإنما الجملةُ خبريةٌ لاَ استفهامَ فيها، فكأنه حَكَمَ عليهم بأنهم يفعلونَ هذا الأمرَ لَمَّا وَبَّخَهُمْ عليه.
{إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ} [الأعراف: آية 81] جَمْعُ رَجُلٍ وهم الذكورُ {شَهْوَةً} شهوةً هنا في إعرابِه أَوْجُهٌ متقاربةٌ (¬2)، بعضُهم يقولُ: مفعولٌ لأَجْلِهِ، أي: تأتونَ الرجالَ لأجلِ شهوتِكم لهم دونَ النساءِ. وبعضُهم يقول: هو مصدرٌ مُنَكَّرٌ حالاً، أي: في حالِ كونِكم مُشْتَهِينَ الرجالَ دونَ النساءِ. وبعضُهم يقولُ: هو ما نَابَ عن المطلقِ من قوله: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ} فإنه مُضَمَّنٌ معنَى: تشتهونَ الرجالَ شهوةً.
والشهوةُ: هي مَيْلُ النفسِ إلى الشيءِ ورغبتُها فيه.
{مِّنْ دُونِ النِّسَاءِ} لأَنَّ النساءَ هُنَّ أزواجُكم اللاتِي خَلَقَهُنَّ اللَّهُ لكم، لِتَتَمَتَّعُوا بهن تَمَتُّعًا نزيهًا طاهرًا يكونُ عنه النسلُ وبقاءُ الجنسِ الآدميِّ، فَتَرَكْتُمْ هذا الأمرَ الطيبَ الكريمَ وهو إتيانُ النساءِ، وهي الأزواجُ التي خَلَقَهُنَّ اللهُ لكم، كما قال تعالى عنهم: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ
¬_________
(¬1) السابق، وفي الديوان: «أو تبتكر».
(¬2) انظر: الدر المصون (5/ 372).

الصفحة 547