كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166)} [الشعراء: الآيتان 165، 166] فَبَيَّنَ اللَّهُ شدةَ قُبْحِ فعلهم هنا حيث أنكر عليهم في قوله: {لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ} معناه يأتونَهم في أدبارِهم بفعلِ فاحشةِ اللواطِ قَبَّحَهُمُ اللهُ جل وعلا {مِّن دُونِ النِّسَاءِ} اللاتِي هُنَّ أزواجُكم وَخُلِقْنَ لكم لِتَتَمَتَّعُوا بهن تمتعًا طاهرًا كريمًا لائقًا بالمروءةِ يَتْبَعُهُ النسلُ وبقاءُ الجنسِ الآدميِّ، فتركتُم هذا الأمرَ الطيبَ الذي خلق اللهُ النساءَ له، وذهبتُم إلى هذا الأمرِ الوسخِ القبيحِ النجسِ الذي يقضي بانقطاعِ نَسْلِ الإنسانِ؛ لأَنَّ الرجالَ إذا اكْتَفَوْا بالرجالِ عن النساءِ انقطعَ النسلُ كُلُّهُ وضاعَ جنسُ بَنِي آدمَ؛ ولذا وَبَّخَهُمُ اللَّهُ.
وفاحشةُ اللواطِ -قَبَّحَهَا اللَّهُ وَقَبَّحَ مُرْتَكِبَهَا- أولُ مَنْ فَعَلَهَا من أهلِ الدنيا قومُ لوطٍ، وهي من خسائسِ الذنوبِ الجامعةِ بينَ الخسةِ ودناءةِ صاحبِها ورداءتِه، وشناعتِها وكثرةِ مفاسدِها، فإن لها مفاسدَ عظيمةً، مع أنها لاَ يرتكبُها إلا أخسُّ الناسِ، وأرذلُ الناسِ، وأقبحُ الناسِ دِينًا، ومروءةً وإنسانيةً، الذين يَرْتَكِبُونَهَا أشبهُ شيءٍ بالبهائمِ قَبَّحَهُمُ اللَّهُ، وَقَبَّحَ فِعْلَهُمْ القبيحَ.
ومن خسائسِ هذه الفاحشةِ: أنها إن انْتَشَرَتْ في الناسِ واستغنى الرجالُ بالرجالِ صار ذلك سببًا لانقطاعِ الجنسِ الإنسانيِّ ودمارِ الدنيا، وخصلةٌ إذا تَمَادَى الناسُ فيها كانت خَرَابًا لجميعِ الدنيا، هي من أَخَسِّ الخصالِ. ويزعمُ الناسُ الذين مَارَسُوا أضرارَ هذه الخسيسةِ أن الإنسانَ المفعولَ به إذا نَزَلَ مَنِيُّ اللائطِ فيه أن ذلك الْمَنِيَّ - والعياذُ بالله - يُورِثُهُ أضرارًا قبيحةً: يجعلُه دَيُّوثًا، وَيُضَيِّعُ هِمَّتَهُ، ويخربُ إنسانيتَه وكيانَه، فيبقى القبيحُ الخسيسُ الخنزيرُ كَلاَ

الصفحة 548