كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

شَيْءٍ، وكذلك اللائطُ - قَبَّحَهُ اللَّهُ وقبح فِعْلَهُ - يذهبُ إلى أنتنِ مَحَلٍّ وأقذرِه ومحلِّ النجاساتِ ليتمتعَ بهذا! فهو من أَخَسِّ الناسِ وأنتنِهم، والمحلُّ الذي يريدُ التمتعَ منه هو أنجسُ شيءٍ وأنتنُه وأقبحُه. وفعلُه الخسيسُ يقتضِي بانقضاءِ النسلِ، وربما أورثَ الخبيثَ الخسيسَ أمراضًا كما هو مُشَاهَدٌ عند مَنْ يعلمُ ذلك ويعلمُ الطِّبَّ؛ لأن اللَّهَ جعلَ في أرحامِ النساءِ خاصيةً لجذبِ مَنِيِّ الرجالِ، إذا هَاجَ مَنِيُّ الرَّجُلِ لينزلَ وهو يُجَامِعُ امرأتَه كان في رَحِمِ امرأتِه خاصيةٌ لجذبِ ماءِ الرَّجُلِ، فتجذبُ رَحِمُهَا مَنِيَّهٌ، فيخلصُ من بقايا الْمَنِيِّ، أما إذا كانت القضيةُ لُوَاطًا - قبح الفاعل فيه والمفعول به فيه، قَبَّحَ اللهُ الجميعَ - فإنه لا يكونُ في دُبُرِ الرجلِ استعدادٌ لجذبِ ماءِ الرجلِ الآخَرِ، فيتهيأُ الماءُ للخروجِ، ويبقَى في المجارِي، فينتنُ ويتعفنُ، ثم تنشأُ منه أمراضٌ وأورامٌ وأسقامٌ عظيمةٌ، قَبَّحَ اللَّهُ الجميعَ.
والحاصلُ أنها خصلةٌ من أقبحِ الخصالِ وأخسِّها وأكثرِها ضررًا، صاحبُها في الدنيا تُؤْذِنُ بأنه ساقطُ المروءةِ، ساقطُ الدِّينِ، لا يخافُ اللَّهَ، وَتُدْخِلُهُ يومَ القيامةِ النارَ، وَمَنِ ارْتَكَبَهَا أجمعَ العلماءُ على أنه يُعَاقَبُ في الدنيا عقوبةً زاجرةً.
واختلفَ العلماءُ في عقوبةِ اللائطِ (¬1)، المرتكِب هذه الفاحشةَ الخبيثةَ - قَبَّحَهَا اللهُ وَقَبَّحَ مرتكبَها - فذهبَ جماعةٌ من العلماءِ، وحكى عليه غيرُ واحدٍ إجماعَ الصحابةِ، وهو مذهبُ مالكٍ وعامةِ أصحابِه، وروايةً عن الشافعيِّ، وروايةً عن الإمامِ أحمدَ أنهما يُقْتَلاَنِ:
¬_________
(¬1) انظر: المجموع (20/ 27)، المغني (12/ 348)، القرطبي (7/ 243).

الصفحة 549