كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

الفاعلُ والمفعولُ به يقتلانُ معًا، إلا أن العلماءَ الذين قالوا يقتلانِ، اختلفوا في كيفيةِ قتلِه، فمنهم مَنْ قال: يُقْتَلُ بالسيفِ، ومنهم مَنْ قال: يُرْجَمُ بالحجارةِ حتى يموتَ، ومنهم مَنْ قال: يُحْرَقُ الخبيثُ بالنارِ حتى يُقْتَلَ تحريقًا، ومنهم مَنْ قال: يُرْفَعُ على شَاهِقٍ ثم يُرْمَى من الشاهقِ وَيُتْبَعُ بالحجارةِ كما فَعَلَ اللهُ بقومِ لوطٍ الذين هم أولُ مَنِ ارتكبَ هذه الفاحشةَ، رَفَعَهُمْ إلى أعلى ثم قَذَفَ [بهم إلى] (¬1) الأرضِ وَأَرْسَلَ عليهم حجارةً مِنْ سِجِّيلٍ.
والذين قالوا: يُقْتَلُ اللائطُ والملوطُ استدلوا بالحديثِ الذي رَوَاهُ عكرمةُ عن ابنِ عباسٍ، وأخرجَه الإمامُ أحمدُ وأبو داودَ والنسائيُّ وغيرُهم، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ» (¬2). وقال ابنُ حَجَرٍ في رجالِ هذا الإسنادِ: إنهم موثقونَ. وَذَكَرَ فيه بعضَ اختلافٍ (¬3). وأكثرُ العلماءِ يُثْبِتُونَ هذا الحديثَ، وكم من واحدٍ قال: إنه حديثٌ ثابتٌ. وما جاء عن يَحْيَى بنِ مَعِينٍ من أن في إسنادَه عمرُو بنُ أبِي عمرٍو مَوْلَى المطلب، وأنه اتَّهَمَهُ في هذا الحديثِ (¬4)، مردودٌ بأن عَمْرًا المذكورَ من الحفاظِ المشهورين، الذين رَوَى لهم مالكٌ والشيخانِ، فلا يقدحُ فيه هذا، فهذا الحديثُ الذي رواه هؤلاء عن ابنِ عباسٍ هو حجةُ مَنْ قال: يُقْتَلُ الفاعلُ والمفعولُ به، سواء كانا مُحْصَنَيْنِ أو غَيْرَ مُحْصَنَيْنِ.
¬_________
(¬1) في الأصل: «قذف الأرض بهم».
(¬2) مضى عند تفسير الآية (151) من سورة الأنعام.
(¬3) بلوغ المرام ص259.
(¬4) انظر: الدراية (2/ 103).

الصفحة 550