كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

قالوا: بِجَامِعِ أن كلاًّ منهما إيلاجُ فَرْجٍ في فَرْجٍ مُحَرَّمٍ شَرْعًا مُشْتَهًى طبعًا. وهذا رواية عن الشافعيِّ، وَرُوِيَ عن أحمدَ، وقال به جماعاتٌ كثيرةٌ من فقهاءِ الأمصارِ، وَمِمَّنْ رُوي عنه هذا من الصحابةِ: ابنُ الزبيرِ وجماعاتٌ من التابعينَ، وفقهاء الأمصارِ، وهذا هو الروايةُ الأخرى عن الإمامِ أحمدَ، والقولُ الآخَرُ عن الشافعيِّ. وعن الربيعِ: أن الشافعيَّ رَجَعَ إلى هذا القولِ.
المذهبُ الثالثُ: أنه لا يُقْتَلُ ولا يُحَدُّ حَدَّ الزنى، وإنما يُعَزَّرُ بحسبِ ما يراه الإمامُ مِنْ ضَرْبٍ أو سَجْنٍ. وهذا مذهبُ أبِي حنيفةَ، إلا أن صَاحِبَيْهِ خالفاه فيما ذَكَرَ بعضُهم أنهما في هذا وَافَقَا الشافعيَّ وغيرَه في أنه كالزاني. ومذهبُ أبي حنيفةَ احتجَّ له بأن الصحابةَ اختلفوا فيه، فَدَلَّ على أنه ليس فيه نَصٌّ صريحٌ، والحدودُ تُدْرَأُ بالشبهاتِ، وقال: قياسُه على الزنى غيرُ مقبولٍ؛ لأن الزنَى له اسمٌ يَخُصُّهُ، واللواطُ له اسمٌ يَخُصُّهُ، واستدلَّ له بعضُ الحنفيةِ ببيتِ أَبِي نُوَاسٍ (¬1):
مِنْ كَفِّ ذَاتِ حِرٍّ فِي زِيِّ ذِي ذَكَرٍ ... لَهَا مُحِبَّانِ لُوطِيٌّ وَزَنَّاءُ

قالوا: الزنى له اسمٌ يَخُصُّهُ، واللواطُ له اسمٌ يَخُصُّهُ، والقياسُ لا يصحُّ مع وجودِ الفارقِ. قالوا: لأن الزنى يُضَيِّعُ الأنسابَ ويورثُ الشبهةَ في الفراشِ، واللواطُ لا يضيعُ نَسَبًا ولا يورثُ شبهةً في فراشٍ؛ لأن اللواطَ لا يقعُ منه ولدٌ، بخلافِ الزنى فقد تَشْتَبِهُ به الفُرُشُ، وتختلطُ به الأنسابُ. قالوا: والداعيةُ في الزنى من الجانبين؛ لأن الزانيَ والزانيةَ كُلٌّ منهما يَتَلَذَّذُ، واللواطُ من جهةٍ
¬_________
(¬1) البيت في ديوانه ص28.

الصفحة 553