كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

{فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} أَيْ: وَأْتُوا نساءَكم في مَحَلِّ الحرثِ وهو القُبُلُ خاصةً، أنى شئتُم، سواء كانتِ المرأةُ باركةً على وَجْهِهَا فلا يكونُ الولدُ أحولَ، أو مستلقيةً على قَفَاهَا، أو على جَنْبٍ. والمقررُ في علومِ الحديثِ: أن تفسيرَ الصحابيِّ إذا كان له تَعَلُّقٌ بسببِ النزولِ فحكمُه حكمُ المرفوعِ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم (¬1). وحديثُ جابرٍ هذا له حُكْمُ الرفعِ، وهو حديثٌ ثابتٌ في الصحيحين، يُبَيِّنُ أن المعنَى: إتيانُها في قُبُلِهَا من جهةِ دُبُرِهَا.
وما اشتهر عن عبدِ اللَّهِ بنِ عمرَ أنه أَذِنَ وَرَخَّصَ في ذلك فهو باطلٌ؛ بدليلِ ما رواه الدارميُّ (رحمه الله) في مسندِه بإسنادٍ صحيحٍ أن عبدَ اللَّهِ بنَ عمرَ (رضي الله عنهما) سأله رجلٌ فقال له: أيُحَمَّضُ لِلْجَوَارِي؟ فقال: وما التحميضُ؟ فَذَكَرَ له الدبرَ، فقال عبدُ اللهِ بنُ عمرَ: وهل يفعلُ هذا أحدٌ من المسلمين؟! (¬2) هذا إسنادٌ صحيحٌ في مسندِ الدراميِّ (رحمه الله)، يُبَيِّنُ أن ما ذُكِرَ عن ابنِ عمرَ أنه كَذِبٌ، وأنه لا يَقْصِدُ إتيانَ المرأةِ في دُبُرِهَا. وَمَنْ رُوِيَ عنه من السلفِ ما يُوهِمُ ذلك فمرادُه أنه يجوزُ أن يأتِي الرجلُ امرأتَه في قبلِها من جهةِ دبرِها وهذا لا نَهْيَ فيه، وهو الذي نَزَلَتْ فيه آيةُ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: آية 223].
وما يستدلُّ به بعضُ مَنْ لاَ يعلمُ معانيَ القرآنِ من أن اللهَ أَذِنَ للرجلِ أن يأتيَ امرأتَه حيثُ شاءَ لأنه قال: {أَنَّى شِئْتُمْ} أي: كيفَ شِئْتُمْ. وقولُه: {أَنَّى شِئْتُمْ} يقتضِي سواء كان ذلك في القبلِ أم في الدبرِ!! فهذا جهلٌ وَعُجْمَةٌ، وعدمُ فَهْمٍ للقرآنِ؛ لأن هذا مُرَتَّبٌ بالفاءِ
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (31) من هذه السورة.
(¬2) الدارمي (1/ 208)، (1147).

الصفحة 556