كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

على قولِه: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ} فَرَتَّبَ على كونِ النساءِ حَرْثًا أي: مَحَلَّ ازدراعِ الأولادِ بقولِه: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} ولا حرثَ في الدبرِ ألبتةَ، فلا يدخلُ في الآيةِ ألبتةَ (¬1).
ومما استدلَّ به العلماءُ - مع روايةِ اثني عشرَ صَحَابِيًّا عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم تحريمُ إتيانِ النساءِ في أدبارِهن، مما استُدلَّ به من غيرِ النصوصِ -: القياسُ، فَمِنْ ذلك أن اللهَ (تعالى) حَرَّمَ على الرجلِ إتيانَ امرأتِه في فَرْجِهَا أيامَ الحيضِ. وَعَلَّلَ ذلك بأن الحيضَ أَذًى يُنَزِّهُ الرجالَ عن أن يتلبسوا بأذَى الحيضِ وقذرِه حيث قال: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} ثم بَيَّنَ علةَ الاعتزالِ بأنه أَذًى فقال: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: آية 222] وقولُه: {مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} هو القبُلُ؛ لأن اللَّهَ قال: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ} [البقرة: آية 223] والمأمورُ بإتيانِه: محلُّ الحرثِ، ومعلومٌ أن محلَّ حرثِ الأولادِ ليس الدبرَ، وتدلُّ عليه آيةٌ أخرى، وهي قولُه تعالى: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} [البقرة آية 187] لأن معنَى: {مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} أي: من الأولادِ على أصحِّ التفسيرين، وعليه جمهورُ العلماءِ، يعنِي: بَاشِرُوهُنَّ وَلْتَكُنْ تلك المباشرةُ في محلِّ ابتغاءِ الأولادِ، ومعلومٌ أن الدبرَ ليس محلَّ ابتغاءِ الأولادِ؛ ولذا كانت المرأةُ أيامَ حيضِها يُمْنَعُ على زوجِها جِمَاعُهَا حَذَرًا من أذَى الحيضِ ونجاستِه، فالدبرُ أنجسُ وأنجسُ من محلِّ الحيضِ؛ لأنه محلُّ الغائطِ، ومحلُّ النتنِ والخبثِ والنجاسةِ الدائمةِ، فهو أنجسُ وأنجسُ والعياذُ بالله.
¬_________
(¬1) انظر: القرطبي (3/ 91 - 93).

الصفحة 557