كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

ومما استدلَّ به بعضُ العلماءِ (¬1): قالوا: إن الرجلَ إذا تَزَوَّجَ امرأةً فَوَجَدَهَا رتقاءَ -والرتقاءُ هي التي فَرْجُهَا مسدودٌ، ليس فيها محلٌّ يمكن أن يُجَامِعَهَا فيه؛ لأن فَرْجَهَا مسدودٌ بالكليةِ- قالوا: إن هذا عيبٌ تُرَدُّ به بإجماعِ العلماءِ، ولو كان الدبرُ مَحَلَّ تلذذٍ لَمَا رُدَّتِ الرتقاءُ؛ لأن عندَه محلاًّ آخَرَ يتمتعُ به غير القُبلِ المسدودِ، وهو دُبُرُهَا.
وحكى القرطبيُّ إجماعَ العلماءِ على أن الرتقَ عيبٌ يُرَدُّ به، وأن الرجلَ إذا تزوجَ امرأةً فَوَجَدَهَا مسدودةَ الفرجِ بالكليةِ أنه عَيْبٌ يَرُدُّهَا به، ولا يلزمُه شيءٌ من نصفِ الصداقِ. وقال الإمامُ ابنُ عبدِ البرِّ (رحمه الله) (¬2): إن عامةَ العلماءِ أَجْمَعُوا على أن الرتقَ عَيْبٌ تُرَدُّ به الرتقاءُ، ولم يُعْلَمْ في ذلك خلافٌ، إلا شيءٌ ضعيفٌ لم يَثْبُتْ، رُوِيَ عن عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ (رحمه الله) أنها لاَ تُرَدُّ بالرتقِ. فإن قيل: قد يكونُ الرتقُ عَيْبًا؛ لأن الرَّتْقَاءَ لاَ تَلِدُ، والعقمُ عَيْبٌ. أجاب عنه بعضُ العلماءِ: بأن العقمَ ليس بعيبٍ، وَمَنْ تزوجَ امرأةً فَوَجَدَهَا عقيمًا لا تلدُ، لا يكونُ هذا عَيْبًا يَرُدُّهَا به، وإن طَلَّقَهَا لَزِمَهُ نصفُ الصداقِ إن كان قبلَ الدخولِ؛ لأن العقمَ في النساءِ ليس عَيْبًا يُرَدُّ به. وحكى القرطبيُّ (رحمه الله) في تفسيرِ قولِه: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: آية 223] إجماعَ العلماءِ على أن عُقْمَ المرأةِ ليس من العيوبِ التي يَرُدُّهَا به الرجلُ (¬3)، ويدلُّ على ذلك ظواهرُ آياتٍ:
هذا زكريا صلى الله عليه وسلم يقولُ: {وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ} [آل عمران: آية 40] {وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا} [مريم: آية 5] وهو مقيمٌ معها على
¬_________
(¬1) انظر: السابق (3/ 94).
(¬2) الاستذكار (16/ 100).
(¬3) القرطبي (3/ 94).

الصفحة 558