كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

فيه أنه فعلٌ قبيحٌ وأنه حَرَامٌ (¬1)، وإن كان الإمامُ أحمدُ - مع جلالتِه وَعِظَمِ قَدْرِهِ في العلم - يُذْكَرُ عنه أنه يُرَخِّصُ في هذا كالترخيصِ بإخراجِ الدمِ بالفصادةِ إذا خِيفَ منه أَذًى (¬2).
إلا أن التحقيقَ مع الجمهورِ، وأن الاستمناءَ باليدِ المعروفَ بجلدِ عميرةَ المُسَمَّى بالخضخضةِ - قبحَّه الله - أنه حرامٌ، وظاهرُ القرآنِ يدلُّ على أنه حرامٌ ظهورًا بَيِّنًا، ولم يَرِدْ في كتابِ الله ولا في سنةِ رسولِ اللَّهِ شيءٌ يعارضُ ظاهرَ آيةِ: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)} الدالةِ على تحريمِ الاستمناءِ باليدِ، وهي قولُه تعالى في: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} و (سَأَلَ سَائِلٌ): {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: الآيتان 5، 6] و [المعارج: الآيتان 29، 30] فلم يَسْتَثْنِ اللهُ إلا نوعين وهو قولُه: {إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6)} ثم جاء بِحُكْمٍ عامٍّ شاملٍ قال: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)} [المؤمنون: آية 7] و [المعارج: آية 30] ولا شَكَّ أن الناكحَ يدَه مِمَّنِ ابتغَى وراءَ ذلك فهو داخلٌ في قولِه: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} خِلاَفًا لمن يجيزُ ذلك. والسفهاءُ يفعلونَ هذا كما قال شَاعِرُهُمْ (¬3):
إِذَا حَلَلْتَ بِوَادٍ لاَ أَنِيسَ بِهِ ... فَاجْلِدْ عُمَيْرَةَ لاَ عَارٌ وَلاَ حَرَجُ
¬_________
(¬1) انظر: القرطبي (12/ 105)، المجموع (20/ 31 - 34).
(¬2) المذهب عند الحنابلة أنه حرام، ونقله في الإنصاف عن جميع الأصحاب، وإنما يُباح حال الخوف من الزنا مع عدم القدرة على النكاح أو التسري، وزاد بعضهم ما إذا خاف على نفسه وبدنه. وفي رواية عن الإمام أحمد التحريم بإطلاق. انظر: الإنصاف (10/ 251)، الفروع (6/ 121)، كشاف القناع (6/ 125)، شرح منتهى الإرادات (3/ 362).
(¬3) البيت في القرطبي (12/ 105)، المجموع (20/ 33).

الصفحة 561