كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

{شَهْوَةً مِّنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} هذا النوعُ من الإضرابِ يُسَمَّى (إضرابًا انْتِقَالِيًّا).
{بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} والإسرافُ مجاوزةُ الحدِّ؛ لأن اللَّهَ خَلَقَ لهم النساءَ وجعلَ فيهن الجمالَ، وركبَ فيهن الشهوةَ؛ لأن اللَّهَ إنما رَكَّبَ الشهوةَ في الرجالِ والنساءِ، الحكمةُ الكبرى في ذلك أن يقعَ التناسلُ ويبقى نوعُ الإنسانِ؛ لأن المرأةَ إذا كانت لا تَشْتَهِي الجماعَ لا يمكنُ أن تَقْبَلَهُ بحالٍ أبدًا، فلا يمكنُ أن يُرْغِمَهَا على قبولِ جماعِ الرجلِ لها إلا شهوتُها في ذلك الفعلِ، فلو كانت لا تشتهيه ألبتةَ لَمَا قَبِلَتْهُ أبدًا وَلَتَمَنَّعَتِ النساءُ عن ذلك الفعلِ فَانْقَطَعَ نسلُ بَنِي آدمَ، وكذلك الرجلُ إن كان لم يُرَكَّبْ فيه شهوةُ هذا الفعلِ لاَ يقبلُ ذلك الفعلَ أبدًا. فجعلَ اللَّهُ الشهوةَ في الرجالِ إلى النساءِ، وفي النساءِ إلى الرجالِ؛ لتجتمعَ الشهوةُ والشهوةُ فيقعُ بذلك التناسلُ، ويبقَى نوعُ الإنسانِ. فَمَنْ صَرَفَ الشهوةَ إلى غيرِ محلِّها وجعلَها في الذَّكَرِ أَسْرَفَ؛ لأنه جَاوَزَ الحدَّ وَوَضَعَ الأمرَ في غيرِ مَوْضِعِهِ؛ لأنه لو اقْتَصَرَ الرجالُ على الرجالِ وتركوا النساءَ لاَنْقَطَعَ النسلُ وانقطعَ بَنُو آدمَ وخرب الْعَالَمُ كُلُّهُ؛ ولذا قال: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} وَلَمَّا قال لهم لوطٌ هذا الكلامَ قال اللَّهُ: {وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُم مِّنْ قَرْيَتِكُمْ} [الأعراف: آية 82] {أَخْرِجُوهُمْ} أي: لوطًا وَمَنْ مَعَهُ، وقد بَيَّنَ القرآنُ أن لُوطًا لم يُؤْمِنْ معه إلا أهلُ بَيْتِهِ فقط، وهم بناتُه.
وزوجتُه بَيَّنَ القرآنُ أنها كَافِرَةٌ، وأنها هَلَكَتْ مع الهالكين في آياتٍ كثيرةٍ، والآيةُ التي دَلَّتْ على أنه لم يؤمن معه إلا أهلُ بيتِه هي قولُه في الذارياتِ: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ (36)} [الذاريات: الآيتان 35، 36] وهو

الصفحة 563