كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

بيتُ لوطٍ، هو وَابْنَتَاهُ؛ ولهذا قال: {إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ} أي: لوطًا وأهلَه {مِّنْ قَرْيَتِكُمْ} سدوم {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ} أي: جماعةٌ وناسٌ {يَتَطَهَّرُونَ} يتطهرونَ من أدبارِ الرجالِ، ويتنزهونَ عن إتيانِ الرجالِ في أدبارِهم، فكأنَّهم يعيبونَهم بما ليس بعيبٍ، فهم يعيبونهم بالتطهرِ من أقذارِ أدبارِ الرجالِ، وهذا العيبُ الذي عَابُوهُمْ به هو غايةُ المدحِ والنزاهةِ:
وَعَيَّرَهَا الْوَاشُونَ أَنِّي أُحِبُّهَا ... وَتِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُهَا (¬1)

قال بعضُ العلماءِ: عَابُوهُمْ والله بما ليسَ بعيبٍ، بل هو غايةُ المدحِ. وهذا معنَى قولِه: {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}.
{فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ} [الأعراف: آية 83] اخْتُصِرَتِ القصةُ هنا وَبُسِطَتْ في مواضعَ أُخَرَ كثيرةٍ، وذلك أن الرسلَ لَمَّا جاؤوا إلى إبراهيمَ وَبَشَّرُوهُ بغلامٍ عَلِيمٍ، ووقعَ ما وقعَ مِنْ ذَبْحِهِ لهم العجلَ، وَخَوْفِهِ منهم، وسؤالِه لهم: {قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّنْ طِينٍ (33)} [الذاريات: الآيات 31 - 33] وجاءوا لوطًا وَسِيئ بهم لوط {وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} [هود: الآيتان 77، 78] وَحَاوَرَهُمُ المحاورةَ المعروفةَ المتكررةَ في القرآنِ {أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ} [الحجر: آية 70] وجاءوا يكسرونَ البابَ، يظنونَ أن جبريلَ والملائكةَ معه جاؤوا في صفةِ شبابٍ حِسَانِ الوجوهِ، حسانِ الثيابِ، حسانِ الريحِ، فجاءوا يريدونَ
¬_________
(¬1) البيت في الفائق للزمخشري (3/ 445)، روح المعاني (1/ 22)، (13/ 161)، (23/ 11)، اللسان (مادة: ظهر) (2/ 659).

الصفحة 564