كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ} [العنكبوت: آية 32] القبيحةَ، فَلَمَّا كان وقتُ الصبحِ الذين جاؤوا يريدونَ كسرَ البابِ وفاحشةَ اللواطِ بجبريلَ والملائكةِ معه لَمَّا قال جبريلُ للوطٍ: {يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ} [هود: آية 81] ذَكَرَ المفسرون أن اللَّهَ أَذِنَ له في النكالِ بهم، فجاءَ في صورتِه، وعليه ما عليه من الوشاحاتِ والأجنحةِ، ثم مَسَحَ أعينَهم بريشةٍ من جَنَاحِهِ، فبقيت وجوهُهم كأنها لم تَكُنْ فيها عيونٌ أصلاً، كما سيأتِي في قولِه في القصةِ بِعَيْنِهَا: {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37) وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ (38) فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ} [القمر: الآيات 37 - 39] وَيَذْكُرُونَ أن جبريلَ عليه السلامُ اقتلعَ أرضَهم من الأرضِ، وَأَدْخَلَ جناحَه من تحتها، وَاقْتَلَعَهَا من الأرضِ، ورفعَها حتى قَرُبَتْ من السماءِ، ثم أَلْقَاهَا مُنَكِّسًا لها، جاعلاً عاليَها أسفلَها، وأنهم أَتْبَعَتْهُمُ الملائكةُ حجارةَ السجيلِ، كما يأتِي في قولِه: {جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا
وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّنْ سِجِّيلٍ} [هود: آية 82] والتحقيقُ: أن السجيلَ: أنه الطينُ؛ لأَنَّ اللَّهَ قال: {لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّنْ طِينٍ (33)} [الذاريات: آية 33] وخيرُ ما يُفَسِّرُ القرآنَ القرآنُ (¬1)، إلا أنه طينٌ مشويٌّ بالنارِ، شديدُ الحرارةِ، لا يأتي على شيءٍ إلا خَرَقَهُ. وهذه القصةُ مذكورةٌ في مواضعَ كثيرةٍ من كتابِ اللَّهِ؛ ولذا قال هنا: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا} [الأعراف: الآيتان 83، 84] لم يَذْكُرْ هنا أنه جَعَلَ عَالِيَ أرضِهم سافلَها، وذكرَه في هودٍ حيث قال: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّنْ سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82) مُّسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ
¬_________
(¬1) انظر: الأضواء (2/ 326).

الصفحة 567