كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

ولكنه لم يَصِحَّ. وعنزةُ هؤلاء المذكورونَ في هذا الحديثِ ليس المرادُ بهم بنو عنزةَ بنِ أسدِ بنِ ربيعةَ بنِ نزارٍ، المعروفونَ؛ لأَنَّ شعيبًا قبلَهم بكثيرٍ، كما قالَه غيرُ واحدٍ، وعلى كُلِّ حالٍ فالكلامُ في شعيبٍ ونسبِه كثيرٌ، واختلافُ العلماءِ فيه كثيرٌ، وَغَلِطَ بعضُ العلماءِ وبعضُ المؤرخين - كصاحبِ صُبْحِ الأَعْشَى - فَزَعَمَ أن شعيبًا كان بعد مُوسَى (¬1). وهذا لا شَكَّ أنه غَلَطٌ؛ لأن شُعَيْبًا قَبْلَ موسى، وقد دَلَّتْ عليه آياتُ القرآنِ في سورةِ الأعرافِ هذه وغيرِها؛ لأن اللَّهَ في سورةِ الأعرافِ هذه لَمَّا ذكرَ قصةَ نوحٍ وقصةَ هودٍ وصالحٍ ولوطٍ وشعيبٍ مع قومِهم قال بعدَ ذلك في الآياتِ الآتيةِ: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِم مُّوسَى بِآيَاتِنَا} [الأعراف: آية 103] فَدَلَّ على أن بعثَ موسى بآياتِ اللهِ بعدَ هؤلاءِ الرسلِ وَأُمَمِهِمْ، كما هو نَصُّ القرآنِ العظيمِ. وزعمَ بعضُ العلماءِ أن شعيبًا ابنُ بنتِ لوطٍ.
وقال بعضُ العلماءِ: هو مِمَّنْ آمَنَ مع إبراهيمَ لَمَّا نَجَا مِنَ النارِ، وهاجرَ معه (¬2). وَكُلُّهَا أقوالٌ لا دليلَ عليها، وغايةُ ما يفيدُه القرآنُ: أن اللَّهَ بعثَ نبيَّه شعيبًا إلى أهلِ مدينَ. وذكر اللهُ في آياتٍ أُخْرَى متعددةٍ - كما سيأتي في سورةِ «الحجراتِ»، وفي سورةِ «الشعراء»، وفي سورةِ «ص» وغيرِ ذلك - أن شعيبًا أرسلَ أيضًا إلى أصحابِ الأيكةِ، كما سيأتِي في قولِه: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176)} [الشعراء: آية 176] والعلماءُ مختلفونَ: هل أصحابُ الأيكةِ هم مَدْيَنُ أنفسُهم فيكون شعيبٌ أُرْسِلَ إلى أُمَّةٍ واحدةٍ، أو مدينُ أمةٌ وأصحابُ الأيكةِ أمةٌ أخرى، فيكون شعيبٌ قد أُرْسِلَ إلى
¬_________
(¬1) في (1/ 314) من صبح الأعشى عدَّ (مدين) من قبائل العرب البائدة، وهذا يعني أنه يرى تأخر موسى عن زمان شعيب (عليهما السلام). والله تعالى أعلم.
(¬2) انظر: البداية والنهاية (1/ 185).

الصفحة 572