كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

أُمَّتَيْنِ؟ هذا خلافٌ معروفٌ بَيْنَ العلماءِ، وأكثرُ أهلِ العلمِ على أنهم أمةٌ واحدةٌ كانوا يعبدونَ أيكةً، أي: شجرًا مُلْتَفًّا، وأن اللَّهَ سماهم مرةً بنسبهم (مدين) ومرةً أضافهم إلى الأيكةِ التي يعبدونَها. وجزمَ بصحةِ هذا ابنُ كثيرٍ في تاريخِه وتفسيرِه (¬1) وَمِمَّنِ اشتهر عنه أنهم أُمَّتَانِ قتادةُ (¬2) وجماعةٌ، وهو خلافٌ معروفٌ.
والذين قالوا: إنهما أُمَّتَانِ قالوا: في (مدين) قال: إنه أَخُوهُمْ حيث قال: {إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ} [الأعراف: آية 85] أما أصحابُ الأيكةِ فلم يَقُلْ: إنه أخوهم بل قال: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ} [الشعراء: الآيتانِ 176، 177] ولم يقل: أخوهم شعيبٌ.
وَأُجِيبَ عن هذا بأنه لَمَّا ذَكَرَ مَدْيَنَ ذَكَرَ الجدَّ الذي يشملُ القبيلةَ وَمِنْ جُمْلَتِهَا شعيبٌ، ذكر أنه أخوهم من النسبِ. أما قولُه: {أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ} فمعناه: أنهم يعبدونَها، وَلَمَّا ذَكَرَهُمْ في مقامِ الشركِ وعبادةِ غيرِ اللَّهِ لم يُدْخِلْ معهم شعيبًا في ذلك وهم أمةٌ واحدةٌ. هكذا قاله بعضُهم (¬3) وَاللَّهُ أعلمُ.
وعلى كُلِّ حالٍ فشعيبٌ هذا معروفٌ أنه نبيٌّ من الرسلِ الكرامِ، وقد ذَكَرَ اللَّهُ قصتَه مع قومِه مفصلةً في آياتٍ من كِتَابِهِ، ذكرَها هنا، وذكرَها في سورةِ هودٍ، وفي سورٍ أخرى كما سيأتِي إن شاءَ اللَّهُ. هذا معنَى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} أي: وَأَرْسَلْنَا إلى مدينَ
¬_________
(¬1) تفسير ابن كثير (2/ 556)، البداية والنهاية (1/ 185، 189، 190).
(¬2) انظر: تفسير ابن جرير (14/ 48).
(¬3) انظر: البداية والنهاية (1/ 190).

الصفحة 573