كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

أخاهم شعيبًا، ماذا قال لهم؟ وماذا أُرْسِلَ به إليهم؟ قال: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: آية 85].
قولُه: {اعْبُدُوا اللَّهَ} هو حظُّ الإثباتِ مِنْ لاَ إلهَ إِلاَّ اللَّهُ. وقولُه: {مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} حظُّ النفيِ منها. وهذه الكلمةُ التي هي (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ) هي التي قامت عليها السماواتُ والأرضُ، وَخُلِقَتْ لأجلِ الحسابِ عليها الجنةُ والنارُ وَأُرْسِلَ بها الرسلُ، وهي محلُّ المعاركِ بَيْنَ الرسلِ وَأُمَمِهِمْ، وجميعُ الرسل مَا أُرْسِلَ منهم نبيٌّ إلا بهذه الكلمةِ وما تَتَضَمَّنُهُ من الشرائعِ والأحكامِ. إذا نظرتَ في رسائلِ الرسلِ إجماعًا وتفصيلاً وجدتَ ذلك كما قُلْنَا، ومما يدلُّ عليه تفصيلاً أن كُلَّ رسولٍ إذا أُرْسِلَ إلى قومِه يُبَيِّنُ القرآنَ أن أولَ ما يقولُ لهم هو مضمونُ (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ) كقولِه في قِصَصِهِمْ في هذه السورةِ الكريمةِ: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} ماذا قال لهم؟ قال: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأعراف: آية 59] ثم قال: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} ماذا قال لهم؟ قال: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: آية 65] ثم قال: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: آية 73] وكذلك قال في شعيبٍ: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: آية 85] وهكذا. وكذلك بالإجمالِ قولُه تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ يُوحَى إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)} [الأنبياء: آية 25] وفي القراءةِ الأُخْرَى (¬1):
{إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ}
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (65) من هذه السورة ..

الصفحة 574