كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

لاَ يخافُ قد يحملُه التذللُ على أن يسيءَ الأدبَ مع المحبوبِ الذي يُحِبُّهُ، فإذا اجتمعَ الحبُّ والذلُّ والخضوعُ كان الأمرُ كما ينبغي. وهذا معنَى قولِه: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: آية 85] (ما) هنا نافيةٌ، والإلهُ (فِعَال) من الإلهةِ وهي العبادةُ. أي: ما لكم من معبودٍ يُعْبَدُ حَقًّا غيرُه (جل وعلا)؛ لأنه هو المعبودُ وحدَه. والإلهُ: قال بعضُ علماءِ العربيةِ: هو (فِعَال) بمعنَى: (مفعولٍ) أي مَأْلُوهٌ، أي: معبودٌ يعبدُه خَلْقُهُ على وجهِ الذلِّ والخضوعِ والمحبةِ.
وإتيانُ (الفِعَال) بمعنَى (المفعولِ) مسموعٌ في أوزانٍ معروفةٍ في اللغةِ العربيةِ، كالإلهِ بمعنَى المعبودِ، والكتابِ بمعنَى المكتوبِ، واللباسِ بمعنَى الملبوسِ، والإمامِ بمعنَى المؤتمِ به، في أوزانٍ غيرِ كثيرةٍ (¬1).
والإلهةُ: العبادةُ، وفي قراءةِ ابنِ عباسٍ - وهي من قراءاتِ الصحابةِ الشاذةِ (¬2) -: (ويذرك وإلاهتك) أي: وعبادتَك. وقد قال رؤبةُ بنُ العجاحِ في رجزِه وهو عربيٌّ قُحٌّ فَصِيحٌ (¬3):
لِلَّهِ دَرُّ الْغَانِيَاتِ الْمُدَّهْ ... سَبَّحْنَ وَاسْتَرْجَعْنَ مِنْ تَأَلُّهِي
وقولُه: {يَا قَوْمِ} [الأعراف: آية 85] نَادَى شعيبٌ قومَه باسمِ (القوم) وحذفَ ياءَ المتكلمِ، وَحَذْفُ يَاءِ المتكلمِ من المنادَى الصحيحِ الآخِرِ أحدُ اللغاتِ المشهورةِ المعروفةِ فيه. قال بعضُ علماءِ
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (38) من سورة الأنعام.
(¬2) تقدمت هذه القراءة عند تفسير الآية (59) من هذه السورة.
(¬3) البيت في تفسير ابن جرير (1/ 123)، زاد المسير (1/ 9)، ابن كثير (1/ 19)، اللسان (مادة: أله) (1/ 88).

الصفحة 576