كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

أحدُها: زيادةُ (مِنْ) قَبْلَ النكرةِ التي هي مبتدأٌ، كما في قولِه هنا: {مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} الأصلُ: (ما لكم إله غيره) مبتدأٌ سَوَّغَ الابتداءَ به النفيُ، وَجَرَّتْهُ (مِنْ) هنا. فدخولُ (من) على النكرةِ التي هي مبتدأٌ لتوكيدِ العمومِ مطردٌ في اللغةِ العربيةِ.
الثاني: دخولُ (من) على النكرةِ إن كانت فَاعِلاً، نحو: {مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ} [القصص: آية 46] {مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ} [المائدة: آية 19].
الثالثُ: زيادتُها قبلَ المفعولِ، نحو: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ} [إبراهيم: آية 4] أَيْ: مَا أَرْسَلْنَا رسولاً.
وقولُه: {غَيْرُهُ} إنما رُفِعَ (غيرُه) مع أن المنعوتَ مجرورٌ بـ (من) لأَنَّهُ في محلِّ رَفْعٍ، أصلُه مرفوعٌ مبتدأٌ، فَرُوعِيَ في نعتِه محلُّه؛ ولذا قيل: {غَيْرُهُ} مراعاةً للمحلِّ كما هو معروفٌ. أي: ما لكم إله سواه.
ثم قال نبيُّ اللهِ شعيبٌ: {قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ} [الأعراف: آية 85] (قد) هنا حرفُ تحقيقٍ لمجيءِ البينةِ، ولا شكَّ أن المرادَ بالبينةِ في هذه الآيةِ: المعجزةُ التي تُثْبِتُ صدقَ شعيبٍ وَتُوجِبُ الإيمانَ بما جاء به. وَالْبَيِّنَةُ: هي الحجةُ الواضحةُ التي لا تتركُ في الحقِّ لَبْسًا، وهي هنا: المعجزةُ بلا نزاعٍ إلا مَنْ شَذَّ، فمعنَى: {قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ} أي: جاءتكم معجزةٌ من اللهِ عرفتموها وَعَايَنْتُمُوهَا على أَنِّي رسولُ اللَّهِ. وهذه البينةُ التي جاءهم

الصفحة 578