كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

بها شعيبٌ وَذَكَرَهَا اللَّهُ هنا على سبيلِ الإجمالِ لم تَأْتِ مفصلةً قي القرآنِ وإنما جاءت مُجْمَلَةً، كما أن أكثرَ معجزاتِ نبيِّنا صلى الله عليه وسلم لم تَأْتِ مفصلةً في القرآنِ بل غالبًا يُنَوِّهُ منها عن القرآنِ حيث إنه معجزةٌ عُظْمَى. وقد ثَبَتَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الحديثِ الصحيحِ أن الله ما أَرْسَلَ رسولاً قَطُّ إلا وأعطاه معجزةً تقومُ الحجةُ بها على الخلقِ؛ لأنه إذا لم يُعْطِهِ برهانًا قاطعًا من المعجزاتِ، تقومُ الحجةُ به على الخلقِ قيامًا لا لبسَ فيه؛ تَزْعُمُ الأُمَّةُ أنه مُدَّعٍ لا دليلَ على دعواه؛ ولذا وَجَبَ أن كُلَّ نبيٍّ جاء بمعجزةٍ، وقد صرح النبيُّ صلى الله عليه وسلم بذلك في الحديثِ الصحيحِ الذي يقولُ فيه: «مَا مِنْ نَبِيٍّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ إِلاَّ أُوتِيَ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُهُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (¬1) وقد بَيَّنَ تعالى أن رُسُلَهُ مصحوبونَ بالمعجزاتِ في قولِه: {كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} [التغابن: آية 6] ونحو ذلك من الآياتِ.
وأعظمُ البيناتِ، وأكبرُ البيناتِ، وأوضحُ المعجزاتِ: هو هذا القرآنُ العظيمُ الذي نُفَسِّرُهُ ونتكلمُ فيه؛ لأنه معجزةٌ عُظْمَى، وبينةٌ كُبْرَى تترددُ في آذانِ بَنِي آدمَ إلى يومِ القيامةِ. أما غيرُه من المعجزاتِ: فقد ينقضِي مع انقضاءِ وقتِه، كناقةِ صالحٍ، فإنا لا نجدُها الآنَ، وكما تَقَدَّمَ من معجزاتِ الأنبياءِ لم يَبْقَ بعدَهم منه شيءٌ تراه الناسُ بعدَهم، بخلافِ هذا القرآنِ فمعجزتُه الكبرى [باقيةٌ إلى آخِرِ الزمانِ] (¬2) وذلك في قولِه مُنْكِرًا عليهم: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً} [العنكبوت: آية 51] الآيةَ. وهذا معنَى قولِه: {قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ}
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (37) من سورة الأنعام.
(¬2) في هذا الموضع انقطع التسجيل. وما بين المعقوفين [] زيادة يتم بها الكلام.

الصفحة 579