كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

أي: جاءتكم علي يَدِي معجزةٌ واضحةٌ مبدأُ مجيئِها كائنٌ من ربكم (جل وعلا). وَرَبُّهُمْ: هو اللهُ، وأصلُ الربِّ في لغةِ العربِ التي نَزَلَ بها القرآنُ: مشتركٌ بين عشرةِ معانٍ، منها (¬1): أن العربَ تُطْلِقُ الربَّ على الذي يسوسُ الأمورَ وَيُدَبِّرُهَا، وعلى السيدِ الذي إليه المرجعُ. فاللهُ (جل وعلا) هو السيدُ الذي إليه المرجعُ، وهو الذي يُدَبِّرُ الأمورَ والشؤونَ، وهذا معروفٌ في كلامِ العربِ، فالعربُ تقولُ للرجلِ الذي يدبرُ شأنَ البلدةِ: هذا رَبُّهَا، أي: مدبرُ شؤونِها، وهو معروفٌ في كلامِهم، ومنه قولُ علقمةَ بنِ عبدةَ التميميِّ (¬2):
وَكُنْتَ امْرَأً أَفْضَتْ إِلَيْكَ رِبَابَتِي ... وَقَبْلَكَ رَبَّتْنِي - فَضِعْتُ - رُبُوبُ
أي: قبلَك سَاسَتْنِي سادةٌ فضيعوني. وهذا معروفٌ في كلامِ العربِ، وأنتم تعرفونَ في التاريخِ والسيرةِ في غزوةِ حُنَيْنٍ، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا فتحَ مكةَ وتركَ صفوانَ بنَ أميةَ بنَ خلفٍ ينتظرُ في شأنِه، واقترضَ منه السلاحَ المعروفَ، وذهبَ معه صفوانُ إلى حنينٍ، وكانت هوازنُ في غزوةِ حنينٍ جَمَعَهَا مالكُ بنُ عوفٍ النصريُّ - في مضيقٍ من مضايقِ وادِي حُنَيْنٍ - ودخل النبيُّ وأصحابُه بعد صلاةِ الصبحِ في بقيةِ ظلامِ الغلسِ، وَشَدَّ عليهم هوازنُ شدةَ رجلٍ واحدٍ حتى كأن الرماحَ والنبالَ مطرٌ تزعزعه الريحُ، ووقع ما وقع مما ذَكَرَهُ اللهُ في قولِه: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} [التوبة: آية 25] وفي ذلك الوقتِ قال رجلٌ كان مع صفوانَ بنِ أميةَ: بَطَلَ سِحْرُ محمدٍ. زاعمًا أن الذي عنده سِحْرٌ، وأن هوازنَ غَلَبُوهُ
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (45) من سورة الأنعام.
(¬2) تقدم هذا الشاهد عند تفسير الآية (45) من سورة الأنعام.

الصفحة 580