كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

كُلِّهَا لاَزِمَةً، وفي ثلاثةٍ منها ربما جاءت متعديةً. والرابعُ: لازمٌ على كُلِّ حالٍ، فإن هذه المادةَ جاء فِعْلُهَا الماضِي مُجَرَّدًا وهو قولُهم: (بَانَ يَبِينُ فهو بَيِّنٌ) وهو الذي منه الصفةُ المشبهةُ التي هي (البينةُ) فهي صفةٌ مشبهةٌ من (بان يَبين). وقد تقررَ في علمِ الصرفِ: أن الثلاثيَّ الأجوفَ تكثرُ الصفةُ المشبهةُ منه على وزنِ (فَيْعِل) سواء كان وَاوِيَّ العينِ أو يَائِيَّهَا، كـ (هان) فهو هَيِّنٌ، و (بان) فهو بَيِّنٌ، و (مات) فهو ميِّت، و (ساد) فهو سيِّد، وما جَرَى مَجْرَى ذلك. هذا أحدُها، وهو مجردُها أعني: (بان يَبْيَنُ فهو بَيِّن) ولم يُسمع هذا في اللغةِ العربيةِ إلا لازمًا.
أما الأوزانُ الثلاثةُ المزيدةُ من هذه المادةِ فهي قولهم (¬1): (أَبَانَ) وقولُهم: (بَيَّنَ) وقولُهم: (اسْتَبَانَ) يأتِي مزيدُه على: (أَفْعَل) وعلى: (فَعَّل) وعلى: (اسْتَفعَل). وهذه الأوزانُ الثلاثةُ من (بَانَ يَبِينُ) مزيدةٌ تكونُ متعديةً ولازمةً، وقد جاءت كُلُّهَا في القرآنِ، وجاء كلامُ العلماءِ في تَعَدِّيهَا ولزومِها في القرآنِ. أما (أبان) مزيدةً بالهمزةِ على وزنِ (أفعل) فالعربُ تُعَدِّيهِ وتقولُ: «أَبَانَ الأَمْرَ يُبِينُهُ إبانةً» فهي (أَفْعَل) متعديةً للمفعولِ، واسمُ الفاعلِ منه (مُبِينٌ) واسمُ المفعولِ (مُبَانٌ) وقد تأتِي (أبان) لازمةً، ويكثرُ لزومُها في القرآن، تقول العربُ: «أبان الشيءُ يُبِينُ» بمعنَى: بان في نفسِه وَظَهَرَ لازمًا، وهو معروفٌ في كلامِ العربِ، ومنه: «كِتَابٌ مُبِينٌ» أي: بَيِّنٌ ظَاهِرٌ وَاضِحٌ.
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (55) من سورة الأنعام.

الصفحة 582