كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

بالنصبِ، وعليه فَلاَ شَاهِدَ في البيتِ. ومن هذا المعنَى قولُ جريرٍ التميميِّ يمدحُ عمرَ بنَ عبدِ العزيزِ (¬1):
رَأَى النَّاسُ الْبَصِيرَةَ فَاسَتَقَلُّوا ... وَبَيَّنَتِ الْمِرَاضُ مِنَ الصِّحَاحِ

أي: ظَهَرَتْ وَاتَّضَحَتْ.
الوجهُ الثاني: (اسْتَبَانَ) وقد جاء في القرآنِ، والقراءتانِ في الآيةِ على إحداهما تكونُ (استبان) لازمةً، وعلى الأخرى متعديةً، وهي قولُه: {وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام: آية 55] {ولتستبين سبيل المجرمين} فعلى رفعِ {سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} فـ (استبان) لازمةٌ. أي: تستبين سبيلُ المجرمين: تتضحُ وتظهرُ. وعلى قراءةِ النصبِ: {ولتستبين سبيلَ المجرمين} فـ (تستبين) متعديةٌ و (سبيلَ) مفعولٌ به، لتستبينَ أنتَ يا نبيَّ اللَّهِ سبيلَ المجرمين (¬2).
هذا أصلُ هذه المادةِ، وما جاء منها في القرآنِ، وما جاء من لغاتِها. والعادةُ في التفسيرِ أن الكلمةَ التي يَكْثُرُ تَكَرُّرُهَا في القرآنِ يُشْبَعُ الكلامُ عليها في موضعٍ واحدٍ لا يُعَادُ؛ ولذلك تَكَلَّمْنَا عليها هنا.
ومعنَى قولِه: {قَدْ جَاءتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ} [الأعراف: آية 85] أي معجزةٌ واضحةٌ لم تَتْرُكْ لكم عُذْرًا في التكذيبِ.
وقولُه: {فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ} كان قومُ شعيبٍ الذين أُرْسِلَ إليهم مِنْ أَخَسِّ الخلقِ معاملةً، كانوا يُطَفِّفُونَ المكيالَ
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (55) من سورة الأنعام.
(¬2) السابق.

الصفحة 584