كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

والميزانَ، ويبخسونَ الناسَ أشياءَهم، ويأخذونَ المكوسَ، ويقطعونَ الطريقَ، وَيَصُدُّونَ مَنْ أَرَادَ الإسلامَ عن الإسلامِ، فبعثَ اللَّهُ إليهم هذا النبيَّ الكريمَ؛ لينهاهم عن هذه المنكراتِ؛ ولذا قال لهم: {فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ} لاَ شَكَّ أن إيفاءَ الكيلِ يستلزمُ إيفاءَ المكيالِ، وإيفاء المكيالِ يستلزمُ إيفاءَ الكيلِ حيث إنه آلَتُهُ، فإذا استوفَى الفعل استوفى كيل الآلةِ، وإذا استوفى مَلْء الآلةِ فقد استوفَى الفعل، فَهُمَا متلازمانِ، كُلٌّ منهما يكفِي عن الآخَرِ؛ ولذا فهو (جل وعلا) تارةً يُعَبِّرُ بالكيلِ كقولِه هنا: {فَأَوْفُوا الْكَيْلَ} وقولُه في الشعراءِ: {أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181)} [الشعراء: آية 181] وتارةً يُعَبِّرُ بآلةِ الكيلِ التي هي المكيالُ، كقولِه في سورةِ هودٍ: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ} [هود: آية 84] [13/ب] / فتعبيرُه تارةً بالمكيالِ وتارةً بالكيلِ يدلُّ على أن الْعِبَارَتَيْنِ متلازمتانِ، وَكُلٌّ منهما تُؤَدِّي معنَى الأخرى، وهو كذلك؛ لأن مَنْ أَوْفَى فِعْلَ الكيلِ لابد أن يملأَ الآلةَ كما ينبغي، وَمَنِ اسْتَوْفَى الآلةَ أي: مَلأَهَا تمامًا فقد استوفَى فِعْلَ الكيلِ، فهما متلازمانِ.
{فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ} [الأعراف: آية 85] عَبَّرَ في أحدِهما بالمصدرِ وفي الثانِي بالميزانِ الذي هو آلةُ الوزنِ، وقال قومٌ: الميزانُ هنا كالكيلِ، اسمُ مصدرٍ كالميعادِ بمعنَى الوعدِ، والميلادُ بمعنَى الولادةِ. والياءُ في الميزانِ منقلبةٌ عن واوٍ، أصلُه: (مِوْزَان) بالواوِ، سَكَنَتِ الواوُ بعد كسرٍ فوجب إبدالُها ياءً على القاعدةِ التصريفيةِ المشهورةِ (¬1).
¬_________
(¬1) انظر: معجم مفردات الإبدال والإعلال ص279.

الصفحة 585