كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

حَقَّهُ إذا نَقَصَهُ منه؛ ولذلك سَمَّوُا المكسَ (بخسًا) لأنه أَخْذٌ من أموالِ الناسِ ونقصٌ لها، ومنه قولُ الشاعرِ (¬1):
أَفِي كُلِّ أَسْوَاقِ الْعِرَاقِ إِتَاوَةٌ ... وَفِي كُلِّ مَا بَاعَ امْرِؤٌ بَخْسُ دِرْهَمِ

يعنِي: في كُلِّ ما باع امرؤٌ مكس درهم. وكانوا ينقصونَ أشياءَ الناسِ: تارةً يخدعونهم عنها، وتارةً يعيبونَها وَيُزَهِّدُونَهُمْ فيها، إلى غيرِ ذلك من أنواعِ البخسِ. وهذا معنَى قولِه: {وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} [الأعراف: آية 85] والأشياءُ: جمعُ شيءٍ، وهو - على التحقيقِ - ممنوعٌ من الصرفِ، وقد قَدَّمْنَا اختلافَ أهلِ العلمِ في الموجبِ الذي مَنَعَ لفظةَ (أشياء) من الصرفِ.
وهذه الآيةُ الكريمةُ تدلُّ على أن المسلمَ الإنسانَ لاَ يجوزُ له أن يبخسَ أخاه شيئَه ولاَ ينقصَه، فَيَحْرُمُ عليكَ أيها المسلمُ أن تعيبَ سلعةَ أَخِيكَ، وأن تزهدَه فيها، وأن تخدعَه عنها، كُلُّ ذلك من أفعالِ الكفرةِ - الحرامِ - وهذا يدلُّ على أن أموالَ الناسِ محترمةٌ، وأنه لا يجوزُ لأحدٍ أن يبخسَ أحدًا شيئًا، ولا أن ينقصَه شيئًا، فأموالُ الناسِ لا يجوزُ أَخْذُهَا.
وقد بَيَّنَ اللَّهُ (جل وعلا) في سورةِ النساءِ ما يدلُّ على أن اللَّهَ عَالِمٌ بأنه سيأتِي قومٌ يتخذونَ سبيلاً ووسيلةً من قولِهم: «هذا غَنِيٌّ وهذا فقيرٌ» إلى أن يظلموا هذا الغنيَّ بادعاءِ أنهم يَرُدُّونَ من مالِه على الفقيرِ للمساواةِ والعدالةِ!! وَاللَّهُ حَذَّرَ من هذا غايةَ التحذيرِ، وَنَهَى
¬_________
(¬1) البيت لزهير، وقيل: لجابر بن حيي التغلبي. وهو في شواهد الكشاف ص116 وشطره الثاني:
................................... ... وما كل ما باع امرؤ مكس درهم

الصفحة 587