كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)
فنقول: نعم، نحن في ذلك الوقت كنا معدومين، ولكنا بعد وجودنا حصل لنا اليقين الجازم، ومدار الشهادة على اليقين الجازم، فما شهدنا إلا بيقين جازم لا تختلجه الشكوك ولا الأوهام؛ لأنك يا ربنا أرسلت إلينا رسولاً كريماً هو خير الرسل وأصدقهم وأعظمهم أمانة، وأنزلت عليه كتاباً محفوظاً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، فما جاءنا في ذلك الكتاب، وأخبرنا به ذلك النبي الكريم، فنحن نقطع به ونجزم به أشد قطعاً وجزماً مما عايناه بأعْيُنِنَا وسمعناه بآذاننا، وهؤلاء قد قصصت علينا أخبارهم في آياتك المحكمات قصصاً لا يختلجه شك، فهو قطع مجزوم به، فهؤلاء الكفرة قوم نوح قصصت علينا قضيتهم وأذاهم له، وما تحمل من أذاهم، وما نصح لهم من النصح، وما مكث فيهم من الزمن يبلغهم {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً} [العنكبوت: آية 14] وأنه قال: {إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلاَّ فِرَاراً (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً (7)} [نوح: الآيات 5 - 7] وهؤلاء قوم هود قصصت علينا قصصهم في آيات كثيرة، كقولهم له: {يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} [هود: آية 53] وهؤلاء قوم صالح قصصت علينا أخبارهم في آيات كثيرة، كقولهم له: {يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} إلى آخر الآيات [الأعراف: آية 77]، وقد قدمنا أن هذا معنى قوله: {لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة: آية 143] ومن هذا ( ... ) (¬1).
¬_________
(¬1) في هذا الموضع وقع انقطاع في التسجيل وذهب معه بعض الكلام .. ويمكن أن يستدرك أول المسألة الآتية من كلام الشيخ رحمه الله في الأضواء حيث قال: «وهنا إشكال معروف: وهو أنه تعالى قال هنا: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6)} وقال: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)} وقال: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ (24)} وهذا صريح في إثبات سؤال الجميع يوم القيامة، مع أنه قال: ... » إلخ. الأضواء (2/ 290).
كما يمكن أن يُستدرك بقية الكلام السابق بمراجعة كلام الشيخ رحمه الله على هذه المسألة عند الكلام على الآية (93) من سورة الأعراف.