كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

وكان يقولُ لها: «يَا عَائِشَةُ إِنْ كُنْتِ قَدْ فَعَلْتِ شَيْئًا فَتُوبِي، فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْكِ، وَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ». ولم يَدْرِ عن الحقيقةِ، حتى عَلَّمَهُ الحكيمُ الخبيرُ خالقُ السماواتِ والأرضِ الذي لا تَخْفَى عليه خافيةٌ وقال له: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ ... } الآيات العشر إلى قولِه: {أُولَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [النور: آية 26] وَلِذَا لَمَّا قالت لها أُمُّهَا أُمُّ رومانَ: قُومِي إليه فَاحْمَدِيهِ. قالت: واللَّهِ لا أحمدُه، ولا أَحْمَدُ اليومَ إلا اللَّهَ؛ لأنه هو الذي بَرَّأَنِي (¬1).
وهذا نَبِيُّ اللَّهِ إبراهيمُ - وهو هو - صلواتُ اللَّهِ وسلامُه عليه جاء بتاريخِ القرآنِ أنه ذَبَحَ عجلَه للملائكةِ يظنُّ أنهم يأكلونَ، وَتَعِبَ في إنضاجِه، ولم يَدْرِ أن ضيوفَه ملائكةٌ؛ ولذا خَافَ منهم وأخبرَهم بأنه خافَ منهم في سورةِ الحجرِ في قولِه تعالى عنه: {قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ} [الحجر: آية 52] ولم يَدْرِ عنهم شيئًا حتى أَخْبَرُوهُ. وَلَمَّا جاءوا لنبيِّ اللَّهِ لوطٍ: {سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} [هود: آية 77] فَظَنَّ أنهم شبابٌ يَفْعَلُ فيهم قومُه فاحشةَ اللواطِ، حتى جاءوه يدافعونَه عن البابِ ليدخلوا عليهم فيفعلوا بهم فاحشةَ اللواطِ، حتى قال ذلك الكلامَ المؤثرَ: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: آية 80] حتى أَعْلَمَهُ جبريلُ أنهم ملائكةُ اللَّهِ: {قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ} [هود: آية 81] فعندَ ذلك عَلِمَ.
وهذا نَبِيُّ اللَّهِ نوحٌ مع جلالتِه وعظمةِ رُتْبَتِهِ في الأنبياءِ مِنْ أُولِي
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (59) من سورة الأنعام.

الصفحة 603