كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

لا يعلمونَ إلا ما عَلَّمَهُمُ اللَّهُ، والله يُعْلِمُ رسلَه وملائكتَه ما شاء من وَحْيِهِ (¬1)، وقد علَّم نَبِيَّنَا (صلواتُ اللَّهِ وسلامُه عليه) عُلُومًا كثيرةً؛ ولو حَفِظَ الناسُ عنه ما أخبرهم به من الغيوبِ لَمَا مَضَى عليهم شيءٌ من البلايا والزعازعِ إلا وقد كان عندَهم خَبَرٌ منه صلى الله عليه وسلم، فهو أَخْبَرَ بكثيرٍ من الأمورِ، بعضُها حُفِظَ، وأكثرُها لم يَحْفَظْهُ الناسُ، صارت تُشَاهَدُ منه اليومَ غرائبُ عديدةٌ؛ لأنه ثَبَتَ في صحيحِ مسلمٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ( ... ) (¬2)
القلاص فلا يُسْعَى عليها» هذا الحديثُ العظيمُ من غرائبِ وعجائبِ الإخبارِ بالغيبِ؛ لأنه ما كان أحدٌ في الدنيا يُصَدِّقُ أن الإبلَ تتركُ ولا تُقْطَعُ عليها المسافاتِ، فنحن في هذا الزمانِ شَاهَدْنَا صِدْقَ هذا الحديثِ بِأَعْيُنِنَا، نرى [ونشاهدُ] (¬3) الإبلَ محمولةً مع المتاعِ في السياراتِ!! وهذا من غرائبِ وعجائبِ الوحيِ التي أَخْبَرَ بها - صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه - ومن ذلك قوله: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ ... » الحديثَ المشهورَ (¬4) ألا ترونَ كيف اتَّبَعَ
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (59) من سورة الأنعام.
(¬2) لم يتضح الكلام لضعف التسجيل ولفظ الحديث عند مسلم: «والله لينزلن ابن مريم حكمًا عادلاً، فليكسرن الصليب، وليقتلن الخنزير، وليضعن الجزية، ولتُتركن القلاص فلا يُسعى عليها، ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد، وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد».

مسلم في الإيمان، باب نزول عيسى بن مريم حاكمًا بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. حديث رقم (242)، (1/ 136).
(¬3) في هذا الموضع كلمة غير واضحة، وما بين المعقوفين [] زيادة يتم بها الكلام.
(¬4) () البخاري في أحاديث الأنبياء، باب ما ذُكر عن بني إسرائيل، حديث رقم (3456)، (6/ 495)، وأخرجه في موضع آخر، حديث رقم (7320)، ومسلم في العلم، باب اتباع سنن اليهود والنصارى، حديث رقم (2669)، (4/ 2054).

الصفحة 605