كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

مَتَى مَا تَلْقَنِي فَرْدَيْنِ تَرجُفْ ... رَوَانِقُ أَلْيَتَيْكَ وتُسْتَطَارَا
وفي هذه الآيةِ الكريمةِ سؤالٌ معروفٌ مشهورٌ عند العلماءِ وطلبةِ العلمِ، وهو: أن اللهَ في هذه الآيةِ الكريمةِ من سورةِ الأعرافِ بَيَّنَ أن الذي أَهْلَكَ اللهُ به قومَ شعيبٍ رجفةٌ، حيث قال: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (91)} [الأعراف: آية 91] جَاثِمِينَ: أي: مَوْتَى، وَكُلُّ واحدٍ منهم مُنْكَبٌّ على وجهِه لا روحَ في جسدِه، والجاثمُ: الذي يلزمُ مَحَلاًّ واحدًا، لَرُبَّمَا كان على وجهِه كما هو معروفٌ، ومنه قولُ زهيرٍ في معلقتِه (¬1):
بِهَا العِينُ وَالآرَامُ يَمْشِينَ خِلْفَةً ... وَأَطْلاَؤُهَا يَنْهَضْنَ مِنْ كُلِّ مَجْثَمِ

المجثمُ: مكانُ الجثومِ، وهو المكانُ الذي كان فيه مُنْكَبًّا على وجهِه غالبًا. وهنا قال إن سببَ إهلاكِهم بالرجفةِ، وصرَّح بسورةِ هودٍ بأن سببَ إهلاكِهم صيحةٌ، حيث قال: {وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [هود: آية 94] وصرَّح في سورةِ الشعراءِ أن قومَ شعيبٍ أصحابَ الظلةِ كان عذابُهم في ظُلَّةٍ، المذكور فِي قولِه: {فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الشعراء: آية 189] تارةً يُعَبِّرُ عن سببِ إهلاكِهم بالرجفةِ، وتارةً بالصيحةِ، وتارةً بالظُّلَّةِ، فهذا هو وجهُ السؤالِ المعروفِ في هذه الآياتِ (¬2).
وحاصلُ الجوابِ: أن العلماءَ اختلفوا - كما قَدَّمْنَا - هل شعيبٌ أُرْسِلَ إلى أمةٍ واحدةٍ أو أُرْسِلَ إلى أُمَّتَيْنِ (¬3)؟ وكان قتادةُ
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (78) من هذه السورة.
(¬2) انظر: الأضواء (2/ 327).
(¬3) مضى عند تفسير الآية (85) من هذه السورة.

الصفحة 609