كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

هنا: اسمُ جنسٍ مفردٍ، أُضِيفَ إلى مُعَرَّفٍ فهو يَعُمُّ أي: في ديارِهم. وألفُ الياءِ منقلبةٌ عن واوٍ؛ لأن أصلَها (دوَرَ) ولذا تُصَغَّرُ على (دُويرة) لا على دُيَيْرَةٍ (¬1)، والجاثمُ هو المستلقي على وَجْهِهِ، والمرادُ أنهم أصبحوا مُنْكَبِّينَ على وجوهِهم مَوْتَى لا أرواحَ في أجسادِهم، وانتقلوا إلى الشقاءِ الأبديِّ - عياذًا بالله - وهذا معنَى قولِه: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (91) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا} [الأعراف: 91 - 92] فَرَدَّ اللَّهُ على الذين قالوا ما قالوا فِي شعيبٍ: تَوَلَّى اللَّهُ الردَّ عنه عليهم؛ لأنهم قالوا لقومهم: {لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَاسِرُونَ} [الأعراف: آية 90].
فَرَدَّ اللَّهُ عليهم فقال: {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا} [الأعراف: آية 92] أُهْلِكُوا وكأنهم لم يُقِيمُوا فيها أحياء أبدًا، ثم قال وهو محلُّ الشاهدِ من الردِّ: {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ} وهو الخسرانُ الحقُّ لاَ الذين اتَّبَعُوهُ.
ومعنَى قولِه: {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا} (الذين) هنا اسم موصول، ومحلُّه من الإعرابِ: مبتدأٌ، وخبرُ المبتدأِ جملةُ: {كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا} و (كَأَنْ) مخففةٌ من الثقيلةِ، وإذا خُفِّفَتْ من الثقيلةِ نُوِيَ اسمُها وقُدِّرَ مَحْذُوفًا كثيرًا، وربما ظَهَرَ كما هو معروفٌ في محلِّه. والمعنَى: كأنهم، أي: كأنه أَي: الأمرُ والشأنُ لم يَغْنَوْا فيها أبدًا.
وقولُه: {يَغْنَوْا} هو مصدرُ (غَنِيَ يَغْنَى غَنًى) بفتحتين على القياسِ؛ لأن المقررَ في فَنِّ العربيةِ: أن (فَاعِلَ) مكسورةِ العينِ إذا كانت لازمةً ينقاسُ مصدرُها على (فَعَل) بفتحتين، والعربُ تقولُ:
¬_________
(¬1) انظر: معجم مفردات الإبدال والإعلال ص113.

الصفحة 612