كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

«غَنِيَ بالمكانِ يَغْنَى به غَنَاءً». إذا أقامَ به في رفاهيةٍ، ومكانُ إقامتِه يُسَمَّى: (المَغْنَى) وَيُجْمَعُ على (المَغَانِي) وهو معروفٌ في لغةِ العربِ كثيرًا (¬1)، ومنه قولُ الشاعرِ (¬2):
وَلَقَدْ غَنَوْا فِيهَا بِأَنْعَمِ عِيشَةٍ ... فِي ظِلِّ مَلْكٍ ثَابِتِ الأَوْتَادِ

(غَنَوْا) أي: أقامُوا في نعمةٍ ورفاهيةٍ. وهذا معروفٌ في كلامِ العربِ، وقد تقولُ العربُ: «غَنِينَا في كذا» أي: عِشْنَا به مقيمينَ عليه. ومنه قولُ حَاتِمٍ (¬3):
غَنِينَا زَمَانًا بِالتَّصَعْلُكِ وَالْغِنَى ... فَكُلاًّ سَقَانَاهُ بِكَأْسَيْهِمَا الدَّهْرُ ...
فَمَا زَادَنَا بَغْيًا عَلَى ذِي قَرَابَةٍ ... غِنَانَا وَلاَ أَزْرَى بِأَحْسَابِنَا الْفَقْرُ
هذا معروفٌ، وهذه المادةُ جاءت منها خمسُ لغاتٍ في اللغةِ العربيةِ (¬4)، جاء منها: (الغَنَى) بالفتحِ والقصرِ، و (الغِنَى) بالكسرِ والقصرِ، و (الغَنَاء) بالفتحِ والمدِّ، و (الغِنَاء) بالكسرِ والمدِّ. و (الغُنى) بالضمِّ والقصرِ، ولم يَأْتِ منها (الغُناءُ) بِضَمٍّ فَمَدٍّ.
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (48) من سورة الأعراف.
(¬2) البيت للأسود بن يعفر، وهو في الدر المصون (5/ 387).
(¬3) ديوان حاتم ص24، وهي في الديوان هكذا:
غنينا زمانًا بالتصعلك والغنى ... كما الدهر في أيامه العسر واليسر ...
كسينا صروف الدهر لينًا وغلظة ... وكلاًّ سقاناه بكأسيهما الدهر ...
فما زادنا بأوًا على ذي قرابة ... غنانا ولا أزرى بأحسابنا الفقر

ولفظها في القرطبي (7/ 252): كما ذكر الشيخ (رحمه الله) إلا أن محقق الكتاب أضاف الشطر الثاني من البيت الأول، والشطر الأول من البيت الثاني ليوافق ما في الديوان.
(¬4) مضى عند تفسير الآية (48) من هذه السورة.

الصفحة 613