كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

اللَّهُ فيها الأسسَ الكبارَ، والأصولَ العظامَ من وجهِ التجارةِ بالعمرِ مع خالقِ السماواتِ والأرضِ الذي يحصلُ منه الربحُ الأبديُّ الذي لا ينتهي، وأنه تحريكُ العمرِ والتجارةِ فيه معَ اللَّهِ، بقولِه: {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} [العصر: آية 3] فإن الآيةَ شَمِلَتْ إيمانَ القلوبِ وأعمالَ الجوارحِ، وَدَعَتْ إلى النفعِ إلى الغيرِ بالتواصِي بالحقِّ والتواصِي بالصبرِ، فجاء بها كُلُّ شيءٍ، فسبحانَ العليمِ الكريمِ ما أَعْلَمَهُ وما أَعْظَمَ تعليمَه وأوضحَه، وهذا معنَى قولِه: {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: آية 92].
{فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (93)} [الأعراف: آية 93].
{فَتَوَلَّى عَنْهُمْ} ضميرُ الفاعلِ المستتر في قولِه: {فَتَوَلَّى} راجعٌ إلى شعيبٍ، {فَتَوَلَّى} هو أي: نَبِيُّ اللَّهِ شعيبٌ رَجَع مُوَلِّيًا عنهم {وَقَالَ يَا قَوْمِ} خَاطَبَهُمْ وقد أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ، وهذا الخطابُ بعضُ العلماءِ يقولُ (¬1): قاله لهم في آخِرِ حياتِهم لَمَّا أرادَ أن يخرجَ عنهم كما في قولِه: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا} [هود: آية 94] وقد أَمَرَهُ اللَّهُ بالخروجِ عندما قَرُبَ نزولُ العذابِ فيهم. وبعضُ العلماءِ يقولُ: قال لهم هذا بعدَ أن هَلَكُوا وَدَمَّرَهُمُ اللَّهُ رَجَعَ وقالَه لهم. ولا مانعَ من هذا، وقد وَقَعَ مِثْلُهُ؛ لأنه ثَبَتَ في الصحيحين أن النبيَّ صلى اللَّهُ عليه وسلم جَمَعَ صناديدَ قريشٍ يومَ بدرٍ - أصحابَ القليبِ - وَوَبَّخَهُمْ وقال لهم: {قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ
¬_________
(¬1) راجع ما سبق عند تفسير الآية (79) من سورة الأعراف.

الصفحة 620