كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

على ذلك دلالةً واضحةً، وإيضاحُ ذلك (¬1): أن الفضلَ العظيمَ إنما يُعْرَفُ بالاختبارِ، فعندَ الامتحانِ ( ... ). (¬2)
[14/ ب] / {فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ} [الأعراف: آية 93] لَمَّا عَلِمَ نبيُّ اللَّهِ شعيبٌ أن اللَّهَ مُهْلِكٌ قومَه تَوَلَّى رَاجِعًا عنهم، وقال مُخَاطبًا لهم: {لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ} واللَّهِ لقد أبلغتُكم رسالاتِ رَبِّي التي لو اتَّبَعْتُمُوهَا لَمَا وقعتُم فيما وقعتُم فيه {وَنَصَحْتُ لَكُمْ} بَذَلْتُ لكم غايةَ النصحِ، وبينتُ لكم، وأمرتُكم بما فيه لكم الخيرُ، ونهيتُكم عما فيه لكم الشرُّ، ولكن تَمَرَّدْتُمْ حتى أَهْلَكَكُمُ اللَّهُ {فَكَيْفَ آسَى} آسَى: معناها أَحْزَنُ، فالعربُ تقولُ: أَسِيَ الرجلُ يَأْسَى بمعنَى: حَزِنَ يحزنُ، و (آسى) فعلٌ مضارعٌ، والهمزةُ الأُولَى همزةُ المتكلمِ، والألفُ مبدلةٌ من فاءِ الفعلِ، والمعنَى: فكيف أَحْزَنُ أنا. {آسَى} أي: أحزنُ {عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ} مُتَمَرِّدِينَ على اللَّهِ؛ أعداءِ للهِ ورسلِه، فهؤلاء لا يُحْزَنُ عليهم، كما قال اللَّهُ لِنَبِيِّنَا: {وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} [النمل: آية 127] ونحو ذلك من الآياتِ (¬3). وهذه الآيةُ تَدُلُّ أن قومَ الرجلِ إذا كانوا أعداءً لله فأهلكهم اللَّهُ بذنوبِهم لا ينبغِي له أن يحزنَ عليهم؛ لأنهم ليسوا أَهْلاً للحزنِ عليهم لعداوتِهم لِلَّهِ وَرُسُلِهِ.
{وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوا وَّقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا
¬_________
(¬1) السابق.
(¬2) في هذا الموضوع انقطع التسجيل، ويمكن استدراك النقص بمراجعة كلام الشيخ رحمه الله في هذه القضية فيما مضى عند تفسير الآية (47) من سورة البقرة.
(¬3) انظر: الأضواء (2/ 327 - 328).

الصفحة 625