كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

دَمَّرَهُمْ؛ ولذا قال: {أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً} أَخَذْنَاهُمْ بالعذابِ والهلاكِ بغتةً.
أَيْ: في حالِ كَوْنِنَا مباغتين لهم. أي: أخذهم فجأةً. وَالْمُبَاغَتَةُ أشدُّ وأعظمُ {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} أي: لاَ يعلمونَ بذلك فأهلكهم اللَّهُ بغتةً (والعياذُ بالله) وهذا معنَى قولِه: {فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ}.
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)} [الأعراف: آية 96].
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} (لو): حَرْفُ الشَّرْطِ لاَ تَلِي إلا الْجُمَلَ الفعليةَ و (أنَّ) هنا حرفٌ مَصْدَرِيٌّ، ليست جملةً فِعْلِيَّةً، إلا أن الفعلَ محذوفٌ، ولو وَقَعَ {أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} لو كان أهلُ القرى الذين دَمَّرَهُمُ اللَّهُ وأهلكهم اللَّهُ آمنوا بِاللَّهِ وأطاعوا رُسُلَهُ: {لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ} قَرَأَ هذا الحرفَ عامةُ القراءِ غيرَ ابنِ عامرٍ: {لَفَتَحْنَا} بالتخفيفِ، وقرأه ابنُ عامرٍ: {لَفَتَّحنَا عليهم} بالتشديدِ (¬1).
{بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ} البركاتُ: الخيراتُ، وبركاتُ السماءِ: ما يَنْزِلُ منها من الأمطارِ، وبركاتُ الأرضِ: ما يَخْرُجُ منها من النباتاتِ والزروعِ والحبوبِ ونحوِ ذلك.
وهذه الآياتُ تدلُّ على أن الناسَ إِنْ أَطَاعُوا اللَّهَ أَغْدَقَ اللَّهُ عليهم رِزْقَهُ، كما قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ
¬_________
(¬1) انظر: السبعة ص286.

الصفحة 629