كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

مُفْلِس فقير، والآخرة يا إخوان دار لا تصلح للفقراء المفاليس؛ لأنها ليس فيها سلف ولا بيع، ولا إرفاق، وإنما فيها ما قدم الإنسان من عمل في دار الدنيا (¬1):
لا دَارَ لِلْمَرْءِ بَعْدَ المَوْتِ يَسْكُنُهَا ... إِلاَّ التِّي كَانَ قَبْلَ المَوْتِ يَبْنِيهَا ...
فَإِنْ بَنَاهَا بِخَيْرٍ طَابَ مَسْكَنُهُ ... وَإِنْ بَنَاهَا بِشَرٍّ خَابَ بَانِيهَا

والآخرة ليس فيها منزل إلا غرفة من غرف الجنة، أو سجن من سجون النار -والعياذ بالله- وسنتكلم -إن شاء الله- في أثناء هذه السورة الكريمة على أصحاب الأعراف، وما قصتهم، وما الذي جعلهم على الأعراف، ونذكر كلام العلماء فيه، فعلينا جميعاً أن لا نضيع رأس هذا المال، فَمَنْ ضَيَّعَ رَأْسَ ماله وأفنى عمره فيما لا يرضي ربه ضاع رأس المال، وإذا ضاع رأس المال فالربح أضيع وأضيع، فيصير إلى سجن من سجون جهنم -والعياذ بالله- هذا أحد مثلي الخسران الذي ضرب العلماء له.
المثل الثاني: هو ما جاء به حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (¬2)، وحسنه بعض العلماء، ولا بأس به -إن شاء الله- أن كل إنسان كائناً من كان له منزل في الجنة ومنزل في النار، فالله يجعل منزلاً في الجنة
¬_________
(¬1) من قصيدة منسوبة لعلي (رضي الله عنه) وهي في الديوان المنسوب إليه ص154.
(¬2) جاء في هذا المعنى حديث عن أبي هريرة (رضي الله عنه) مرفوعاً عند الإمام أحمد (2/ 512)، وذكره الهيثمي في المجمع (10/ 399)، وقال: «وفي رواية: لا يدخل أحد النار إلا رأى مقعده من الجنة لو أحسن ليكون عليه حسرة، ولا يدخل أحد الجنة إلا رأى مقعده من النار لو أساء ليزداد شكراً، رواه كله أحمد ورجال الرواية الأولى رجال الصحيح» اهـ.

الصفحة 88