كتاب أحكام القرآن لابن الفرس (اسم الجزء: 3)

فإذا قيل إن المراد به نفاق كفر، فإنما أقر ثعلبة على ذلك كما أقر سائر المنافقين. وإذا قلنا إنه نفاق معصية فإنما أقر ثعلبة على ذلك ولم تقبل منه الزكاة عقابًا له وهذا خاص بثعلبة. ومن فعل ذلك الوقت مثل فعله أن لا يجوز أن يعاقب اليوم أحد في مثل ذلك بأن لا تؤخذ منه الزكاة فتؤخذ منه كرهًا وإن كان قد جاء عن عمر بن عبد العزيز أن عاملًا كتب إليه أن فلانًا يمنع الزكاة. فكب إليه عمر أن دعه واجعل عقوبته أن لا يؤدي الزكاة مع المسلمين لما يلحقه من المقت في ذلك. وظاهر هذا من عمر أن العقاب عام فيمن فعل فعل ثعلبة، والصحيح ما قدمته. وإنما كان ذلك أيضًا في ثعلبة لقوله تعالى: {إلى يوم يلقونه} فأخبر أن النفاق لا يزول عنه إلى يوم يلقونه ونفاقه إنما كان يمنع الزكاة فلم تقبل منه الزكاة فتبقى عليه تلك القسمة إلى أن يلقى الله عز وجل. وغير ثعلبة لم يقل فيه ذلك فلا يكون حكمه حكم ذلك الحكم. وذكر بعضهم عن ابن عباس في نزول الآية غير ما تقدم. قال وذلك أن حاطب بن أبي بلتعة لما أبطأ عليه ماله بالشام حلف في مجلس من مجالس الأنصار إذا سلم ذلك لأتصدقن منه ولأصلن منه. فلما سلم بخل بذلك.
وقوله تعالى: {بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون} يقوم من هذا أن إخلاف الوعد والكذب نفاق. وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يعضد ذلك. قال: ((ثلاثة من كن فيه كان منافقًا خالصًا: إذا

الصفحة 185