كتاب بدائع الفوائد (اسم الجزء: 3)
الدعاء هو العبادة" ثم قرأ {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح".
وأما قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} َ وقوله: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاّ إِنَاثاً} وقوله: {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ} وكل موضع ذكر فيه دعاء المشركين لأصنامهم وآلهتهم فالمراد به دعاء العبادة المتضمن دعاء المسألة فهو في دعاء العبادة أظهر لوجوه ثلاثة:
أحدها: أنهم قالوا {إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى} فاعترفوا بأن دعاءهم إياهم هو عبادتهم لهم.
الثاني: أن الله تعالى فسر هذا الدعاء في مواضع أخرى بأنه العبادة كقوله: {وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أو يَنْتَصِرُونَ} وقوله: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أنتمْ لَهَا وَارِدُونَ} وقوله: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} وهو كثير في القرآن فدعاؤهم لآلهتهم هو عبادتهم لها.
الثالث: أنهم إنما كانوا يعبدونها ويتقربون بها إلى الله فإذا جاءتهم الحاجات والكربات والشدائد دعوا الله وحده وتركوها ومع هذا فكانوا يسألونها بعض حوائجهم ويطلبون منها وكان دعاؤهم لها دعاء عبادة ودعاء مسألة وقوله تعالى: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} هو دعاء العبادة، والمعنى: اعبدوه وحده وأخلصوا عبادته لا تعبدوا معه غيره.
وأما قول إبراهيم الخليل: {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} فالمراد بالسمع هنا السمع الخاص وهو سمع الأجابة والقبول لا السمع العام لأنه سميع لكل مسموع وإذا كان كذلك فالدعاء هنا يتناول دعاء الثناء ودعاء الطلب وسمع الرب تبارك وتعالى له إثابته على الثناء وأجابته للطلب فهو سميع لهذا وهذا.
وأما قول زكريا: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً} فقد قيل إنه دعاء المسألة؛ والمعنى إنك عودتني أجابتك وإسعافك ولم تشقني بالرد والحرمان فهو توسل إليه تعالى بما سلف من أجابته وإحسانه كما حكى أن رجلا سأل رجلا وقال أنا الذي أحسنت إلى وقت كذا وكذا فقال مرحبا
الصفحة 4
292