كتاب بدائع الفوائد (اسم الجزء: 3)

بمن توسل إلينا بنا وقضي حاجته وهذا ظاهر ههنا ويدل عليه أنه قدم ذلك أمام طلبه الولد وجعله وسيلة إلى ربه فطلب منه أن يجاريه على عادته التي عوّده من قضاء حوائجه إلى ما سأله {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أو ادْعُوا الرَّحْمَنَ} ، فأما قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أو ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الاسماءُ الْحُسْنَى} فهذا الدعاء المشهور وأنه دعاء المسألة وهو سبب النزول قالوا: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعوا ربه فيقول مرة "يا الله" ومرة: "يا رحمن" فظن الجاهلون من المشركين أنه يدعوا إليهين فأنزل الله تعالى هذه الآية، قال ابن عباس: "سمع المشركون النبي صلى الله عليه وسلم يدعو في سجوده (يا رحمن يا رحيم) فقالوا: هذا يزعم أنه يدعوا واحدا وهو يدعوا مثنى مثنى فأنزل الله هذه الآية {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أو ادْعُوا الرَّحْمَنَ} . وقيل إن الدعاء ههنا بمعنى التسمية كقولهم: "دعوت ولدي سعيدا" "وادعه بعبد الله" ونحوه والمعنى: سموا الله أو أو سموا الرحمن فالدعاء ههنا بمعنى التسمية وهذا قول الزمخشري والذي حمله على هذا قوله: {أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الاسماءُ الْحُسْنَى} فإن المراد بتعدده معنى أي وعمومها ههنا تعدد الاسماء ليس إلا والمعنى أي اسم سميتموه به من أسماء الله تعالى إما الله إما الرحمن فله الاسماء الحسنى أي فللمسمي سبحانه الاسماء الحسنى والضمير في (له) يعود إلى المسمى فهذا الذي أوجب له أن يحمل الدعاء في الداء في هذه الآية على التسمية وهذا الذي قاله هو من لوازم المعنى المرادبالدعاء في الآية وليس هو عين المراد بل المراد بالدعاء معناه المعهود المطرد في القرآن وهو دعاء السؤال ودعاء الثناء ولكنه متضمن معنى التسمية فليس المراد مجرد التسمية الخالية عن العبادة والطلب بل التسمية الواقعة في دعاء الثناء والطلب فعلى هذا المعنى يصح أن يكون في (تدعوا) معنى تسموا فتأمله؛ والمعنى أيا ما تسموا في ثنائكم ودعائكم وسؤالكم والله أعلم.
وأما قوله تعالى: {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} فهذا دعاء العبادة المتضمن للسؤال رغبة ورهبة والمعنى إنا كنا من قبل نخلص له العبادة وبهذا استحقوا أن وقاهم عذاب السموم لا بمجرد السؤال المشترك بين الناجي وغيره فإن الله سبحانه يسأله من في السموات ومن في الأرض والفوز

الصفحة 5