كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك (اسم الجزء: 3)

سنة عشْرين وَسَبْعمائة فِيهَا عَاد السُّلْطَان من الْحجاز بَعْدَمَا من بخليص وَقد جرى المَاء إِلَيْهَا. وَكَانَ قد ذكر لَهُ وَهُوَ بِمَكَّة أَن الْعَادة كَانَت جَارِيَة بِحمْل مَال إِلَى خليص ليجري المَاء من عين بهَا إِلَى بركَة يردهَا الْحَاج وَقد انْقَطع ذَلِك مُنْذُ سِنِين وَصَارَ الْحَاج يجد شدَّة من قلَّة المَاء بخليص فرسم بمبلغ خَمْسَة أُلَّاف دِرْهَم لإجراء المَاء من الْعين إِلَى الْبركَة وَجعلهَا مقررة فِي كل سنة لصَاحب خليص. فَأجرى صَاحب خليص المَاء قبل وُصُول السُّلْطَان إِلَيْهَا وَاسْتمرّ حمل المَال إِلَيْهِ فِي كل سنة وَوجد المَاء فِي الْبركَة دَائِما. ولقى السُّلْطَان فِي هَذِه السفرة جَمِيع العربان: من بني مهْدي وأمرائها وشطى وأخيه عساف وَأَوْلَاده وأشراف مَكَّة من الْأُمَرَاء وَغَيرهم وأشراف الْمَدِينَة والينبع وخليص وَبني لَام وعربان حوران وَأَوْلَاد مهنا مُوسَى وَسليمَان وفياض وَأحمد وجبار بعربهم وَلم يتَّفق اجْتِمَاع هَؤُلَاءِ لملك قبله. وَأَكْثرُوا من الدَّالَّة على السُّلْطَان وجروا على عوائدهم الْعَرَبيَّة من غير مُرَاعَاة الْآدَاب الملوكية وَهُوَ يَحْتَمِلهُمْ بِحَيْثُ أَن مُوسَى بن مهنا كَانَ ولد صَغِير فَقَامَ فِي بعض الْأَيَّام وَمد يَده إِلَى لحية السُّلْطَان وَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَليّ بحياة هذي ومسك مِنْهَا شَعرَات إِلَّا مَا أعطتني الضَّيْعَة الْفُلَانِيَّة إنعاماً عَليّ. فَصَرَخَ فِيهِ الْفَخر نَاظر الْجَيْش وَقَالَ لَهُ: شل يدك قطع يدك والك تمد يدك إِلَى السُّلْطَان فَتَبَسَّمَ لَهُ السُّلْطَان وَقَالَ: يَا قَاضِي هَذِه عَادَة الْعَرَب إِذا قصدُوا كَبِيرا فِي شَيْء فَيكون عَظمته عِنْدهم مسك لحيته يُرِيدُونَ أَنهم قد استجاروا بذلك الشَّيْء فَهُوَ سنة عِنْدهم. فَغَضب الْفَخر وَقَامَ وَهُوَ يَقُول: وَا لله إِن هَؤُلَاءِ مناحيس وسنتهم أنحس.

الصفحة 23