كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك (اسم الجزء: 3)

سَاق وفرت النهابة فَلم تدْرك الْأُمَرَاء مِنْهُم إِلَّا من غلب على نَفسه بالسكر من الْخمر. وَأدْركَ الْأَمِير أيدغمش وَالِي مصر وَقد هزمته الْعَامَّة من زقاق الْمُعَلقَة وأنكوا مماليكه بِالرَّمْي عَلَيْهِم وَلم يبْق إِلَّا أَن يحرقوا أَبْوَاب الْكَنِيسَة فَجرد هُوَ وَمن مَعَه السيوف ليفتك بهم فَرَأى عَالما عَظِيما لَا يحصيهم إِلَّا خالقهم فَكف عَنْهُم خوف اتساع الْخرق ونادى من وقف فدمه حَلَال فخافت الْعَامَّة أَيْضا وَتَفَرَّقُوا. ووقف أيدغمش يحرس الْمُعَلقَة إِلَى أَن أذن الْعَصْر فَصلي بِجَامِع عَمْرو وَعين خمسين أوشاقيا للمبيت مَعَ الْوَالِي على بَاب الْكَنِيسَة وَعَاد. وَكَانَ كَأَنَّمَا نُودي فِي إقليم مصر بهدم الْكَنَائِس وَأول مَا وَقع الصَّوْت بِجَامِع قلعة الْجَبَل: وَذَلِكَ أَنه لما انْقَضتْ صَلَاة الْجُمُعَة صرخَ رجل موله فِي وسط الْجَامِع: اهدموا الْكَنِيسَة الَّتِي فِي القلعة وَخرج فِي صراخه عَن الْحَد واضطرب. فتعجب السُّلْطَان والأمراء مِنْهُ وَندب نقيب الْجَيْش والحاجب لتفتيش سَائِر بيُوت القلعة فوجدوا كَنِيسَة فِي خرائب التتر قد أخفيت فهدموها. وَمَا هُوَ إِلَّا أَن فرغوا من هدمها وَالسُّلْطَان يتعجب إِذْ وَقع الصُّرَاخ تَحت القلعة وبلغه هدم الْعَامَّة للكنائس كَمَا تقدم وَطلب الرجل الموله فَلم يُوجد. وعندما خرج النَّاس من صَلَاة الْجُمُعَة بالجامع الْأَزْهَر من الْقَاهِرَة رَأَوْا الْعَامَّة فِي هرج عَظِيم وَمَعَهُمْ الأخشاب والصلبان وَالثيَاب وَغَيرهَا وهم يَقُولُونَ: السُّلْطَان نَادَى بخراب الْكَنَائِس فظنوا الْأَمر كَذَلِك. وَكَانَ قد خرب من كنائس الْقَاهِرَة سوى كنيستي حارة الرّوم وحاره زويلة وكنيسة بالبندقانيين كنائس كَثِيرَة ثمَّ تبين أَن ذَلِك كَانَ من الْعَامَّة بِغَيْر أَمر السُّلْطَان. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْأَحَد حادي عشره: سقط الطَّائِر من الْإسْكَنْدَريَّة بِأَنَّهُ لما كَانَ النَّاس فِي صَلَاة الْجُمُعَة تجمع الْعَامَّة وصاحوا هدمت الْكَنَائِس فَركب الْأَمِير بدر الدّين المحسني مُتَوَلِّي الثغر بعد الصَّلَاة ليدرك الْكَنَائِس فَإِذا بهَا قد صَارَت كوماً وَكَانَت عدتهَا أَربع كنائس. وَوَقعت بطاقة من وَالِي الْبحيرَة بِأَن الْعَامَّة هدمت كنيستين فِي مَدِينَة دمنهور وَالنَّاس فِي صَلَاة الْجُمُعَة. ثمَّ ورد مَمْلُوك وَالِي قوص فِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشره وَأخْبر بِأَنَّهُ لما كَانَ يَوْم الْجُمُعَة هدم الْعَامَّة سِتّ كنائس بقوص فِي نَحْو نصف سَاعَة. وتواترت الْأَخْبَار من الْوَجْه القبلي وَالْوَجْه البحري بهدم الْكَنَائِس وَقت صَلَاة الْجُمُعَة فَكثر التَّعَجُّب من وُقُوع هَذَا الِاتِّفَاق فِي سَاعَة وَاحِدَة بِسَائِر الأقاليم.

الصفحة 38