كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك (اسم الجزء: 3)

ذكرهَا. وَذَلِكَ أَنه لما مر بالكنائس مَا كَانَ حنق النَّصَارَى من ذَلِك وَأَقَامُوا النِّيَاحَة عَلَيْهَا وَاتَّفَقُوا على نكاية الْمُسلمين وَعمِلُوا النفط وحشوه بالفتائل وعملوها فِي سِهَام ورموا بهَا فَكَانَت الفتيلة إِذا خرجت من السهْم تقع على مَسَافَة مائَة ذِرَاع. فَلَمَّا أَنْفقُوا ذَلِك فرقوه فِي جمَاعَة فصاروا يدورون فِي الْقَاهِرَة بِاللَّيْلِ وَحَيْثُ وجدوا فرْصَة انتهزوها وألقوا الفتيلة حَتَّى كَانَ مَا كَانَ. فطالع الْأَمِير علم الدّين السُّلْطَان بذلك. وَاتفقَ وُصُول كريم الدّين الْكَبِير نَاظر الْخَاص من الْإسْكَنْدَريَّة فَعرفهُ السُّلْطَان مَا وَقع من الْقَبْض على النَّصَارَى فَقَالَ كريم الدّين: النَّصَارَى بطرك يرجعُونَ إِلَيْهِ وَهُوَ الَّذِي يعرف أَحْوَالهم. فامر السُّلْطَان كريم الدّين بِطَلَب البطرك إفي بَيته واستعلام الْخَبَر مِنْهُ فاتاه لَيْلًا فِي حماية وافي الْقَاهِرَة خوفًا من الْعَامَّة مبالغ كريم الدّين فِي إجلاله وأعلمه. مِمَّا ذكر الرهبان وأحضرهم إِلَيْهِ فَذكرُوا لَهُ كَمَا ذكرُوا للوالي فبكا وَقَالَ: هَؤُلَاءِ سُفَهَاء قد فعلوا كَمَا فعلوا سفهاؤكم وَالْحكم للسُّلْطَان. وَمن أكل الحامض ضرس وَالْحمار العثور يلقِي الأَرْض بِأَسْنَانِهِ. وَأقَام البطرك سَاعَة وَقَامَ فَركب بغلة كَانَ قد رسم لَهُ مُنْذُ أَيَّام بركوبها فشق ذَلِك على النَّاس وهموا بِهِ لَوْلَا الْخَوْف مِمَّن حوله من المماليك. فَلَمَّا ركب كريم الدّين من الْغَد صاحت الْعَامَّة بِهِ: مَا يحل لَك يَا قَاضِي تحامي للنصاري وَقد أخربوا بيُوت الْمُسلمين وتركبهم البغال فانتكى كريم الدّين مِنْهُم نكاية بَالِغَة وَأخذ يهون من امْر النَّصَارَى الممسوكين وَيذكر أَنهم سُفَهَاء وَعرف السُّلْطَان مَا كَانَ من أَمر البطرك وَأَنه اعتنى بِهِ. فَأمر السُّلْطَان الْوَالِي بعقوبة النَّصَارَى فأقروا على أَرْبَعَة عشر رَاهِبًا بدير الْبَغْل فَقبض عَلَيْهِم من الدَّيْر. وعملت حفيرة كَبِيرَة بشارع الصليبة وأحرق فِيهَا أَرْبَعه مِنْهُم فِي يَوْم الْجُمُعَة وَقد اجْتمع من النَّاس عَالم عَظِيم. فاشتدت العامه عِنْد ذَلِك على النَّصَارَى وأهانوهم وسلبوهم ثِيَابهمْ وألقوهم من الدَّوَابّ إِلَى الأَرْض. وَركب السُّلْطَان إِلَى الميدان يَوْم السبت ثَانِي عشريه وَقد اجْتمع عَالم عَظِيم وصاحوا: نصر الله الْإِسْلَام انصر دين مُحَمَّد بن عبد الله. فَلَمَّا اسْتَقر السُّلْطَان بالميدان حَتَّى أحضر لَهُ الخازن وَالِي الْقَاهِرَة نَصْرَانِيين قد قبض عَلَيْهِمَا فأحرقا خَارج الميدان. وَخرج كريم الدّين الْكَبِير من الميدان وَعَلِيهِ التشريف فصاحت بِهِ الْعَامَّة: كم تحامي لِلنَّصَارَى وسبوه ورموه بِالْحِجَارَةِ فَعَاد إِلَى الميدان. فشق ذَلِك على السُّلْطَان

الصفحة 42