كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك (اسم الجزء: 3)

أَقَامَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا مَرِيضا تصدق فِيهَا بِثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم وَأَفْرج عَن جمَاعَة من المسجونين. وَفِيه كتب الْمُوفق نَاظر الدولة أوراق بِمَا استجد على الدولة من وَفَاة السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون إِلَى الْمحرم سنة خمسين وَسَبْعمائة فَكَانَت جملَة مَا أنعم بِهِ وأقطع من بِلَاد الصَّعِيد وبلاد الْوَجْه البحري وبلاد الفيوم وبلاد الْملك وأراضي الرزق - للخدام والجواري وغيرهن سَبْعمِائة ألف ألف أردب وَألف ألف وسِتمِائَة ألف دِرْهَم مُعينَة بأسماء أَرْبَابهَا من الْأُمَرَاء والخدام وَالنِّسَاء وعبرة الْبَلَد ومتحصلها وَجُمْلَة عَملهَا وقرئت على الْأُمَرَاء ومعظم ذَلِك بِأَسْمَائِهِمْ فَلم ينْطق أحد مِنْهُم بِشَيْء. وَفِيه أبطل الْوَزير منجك سماط عيد النَّحْر أَيْضا. وفيهَا أبطل مَا أحدثه النِّسَاء من ملابسهن. وَذَلِكَ أَن الخواتين نسَاء السُّلْطَان وجواريهن أحدثن قمصاناً طوَالًا تخب أذيالها على الأَرْض بأكمام سَعَة الْكمّ مِنْهَا ثَلَاثَة أَذْرع فَإِذا أرخته الْوَاحِدَة مِنْهُنَّ غطى رجلهَا وَعرف الْقَمِيص مِنْهَا فِيمَا بَينهُنَّ بالبهطلة ومبلغ مصروفه ألف دِرْهَم مِمَّا فَوْقهَا. وتشبه نسَاء الْقَاهِرَة بِهن فِي ذَلِك حَتَّى لم يبْق امْرَأَة إِلَّا وقميصها كَذَلِك. فَقَامَ الْوَزير منجك فِي إِبْطَالهَا وَطلب وَالِي الْقَاهِرَة ورسم لَهُ بِقطع أكمام النِّسَاء وَأخذ مَا عَلَيْهِنَّ. ثمَّ تحدث منجك مَعَ قُضَاة الْقُضَاة بدار الْعدْل يَوْم الْخدمَة بِحَضْرَة السُّلْطَان والأمراء فِيمَا أحدثه النِّسَاء من القمصان الْمَذْكُورَة وَأَن الْقَمِيص مِنْهَا مبلغ مصروفه ألف دِرْهَم وأنهن أبطلن لبس الْإِزَار الْبَغْدَادِيّ وأحدثن الْإِزَار الْحَرِير بِأَلف دِرْهَم وَأَن خف الْمَرْأَة وسرموزتها بِخَمْسِمِائَة دِرْهَم. فأفتوه جَمِيعهم بِأَن هَذَا من الْأُمُور الْمُحرمَة الَّتِي يجب منعهَا فقوي بفتواهم وَنزل إِلَى بَيته وَبعث أعوانه إِلَى بيُوت أَرْبَاب الملهى حَيْثُ كَانَ كثير من النِّسَاء فَهَجَمُوا عَلَيْهِنَّ وَأخذُوا مَا عِنْدهن من ذَلِك. وكبسوا مناشر الغسالين ودكاكين البابية وَأخذُوا مَا فِيهَا من قمصان النِّسَاء وقطعها الْوَزير منجك. ووكل الْوَزير مماليكه بالشوارع والطرقات فَقطعُوا أكمام النِّسَاء ونادى فِي الْقَاهِرَة ومصر بِمَنْع النِّسَاء من لبس مَا تقدم ذكره وَأَنه مَتى وجدت امْرَأَة عَلَيْهَا شَيْء مِمَّا منع أخرق بهَا وَأخذ مَا عَلَيْهَا. وَاشْتَدَّ الْأَمر على النِّسَاء وَقبض على عدَّة مِنْهُنَّ وَأخذت أقمصتهن. ونصبت أخشاب على سور الْقَاهِرَة بِبَاب زويلة وَبَاب النَّصْر وَبَاب الْفتُوح وعلق عَلَيْهَا تماثيل معمولة على سور النِّسَاء وعليهن القمصان الطوَال إرهاباً لَهُنَّ وتخويفاً.

الصفحة 427