كتاب تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (اسم الجزء: 3)

قوله تعالى: {وآتينا عيسى ابن مريم البينات} أي الآيات البينات الدالة على رسالته، ويراد بها الإنجيل، وما جرى على يديه من إحياء الموتى، وإخراجهم من قبورهم بإذن الله، ونحو ذلك.
قوله تعالى: {وأيدناه بروح القدس} أي قويناه؛ وقد اختلف المفسرون في قوله تعالى: {بروح القدس} ما المراد بها؟ فقيل: المراد بها: ما معه من العلم المطهر الآتي من عند الله؛ والعلم، أو الوحي يسمى روحاً، كما قال تعالى: {وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا} [الشورى: ٥٢]؛ وقيل: المراد بـ «روح القدس» جبريل، كما قال تعالى: {قل نزله روح القدس من ربك بالحق} [النحل: ١٠٢]؛ فـ «روح القدس» هو جبريل؛ أيد الله عيسى به، حيث كان يقويه في مهام أموره عندما يحتاج إلى تقوية؛ والآية صالحة للأمرين، فتفسر بهما كما قررناه غير مرة.

قوله تعالى: {ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعدما جاءتهم البينات}؛ «لو» شرطية؛ فعل الشرط فيها {شاء الله}؛ وجوابه {ما اقتتل الذين ... }؛ ومفعول {شاء} محذوف دلّ عليه جواب الشرط؛ والتقدير: ولو شاء الله أن لا يقتتل الذين من بعدهم ما اقتتلوا؛ إما لاتفاقهم على الإيمان؛ وإما لاتفاقهم على المهادنة، وإن كفر بعضهم.

وقوله تعالى: {من بعدهم} أي من بعد الرسل؛ {من بعدما جاءتهم البينات} أي هذا القتال حصل بعدما زال اللبس، واتضح الأمر، ووجدت البينات الدالة على صدق الرسل؛ ومع ذلك فإن

الصفحة 237